الباحث القرآني

ولَمّا ثَبَتَ أمْرُ الرَّحْمانِيَّةِ، فَظَهَرَ أمْرُ الرَّحْمَنِ وما عَلَيْهِ عِبادُهُ مِنَ الدُّعاءِ الَّذِي هو الخُضُوعُ والإخْلاصُ، وخَتَمَ أوْصافَهُمُ الحَسَنَةَ بِالدُّعاءِ حَقِيقَةَ الدّالِّ عَلى الإخْلاصِ في الخُضُوعِ، وذَكَرَ حُسْنَ جَزائِهِمْ وكَرِيمَ مُنْقَلَبِهِمْ، أمَرَ النَّذِيرَ أنْ يَقُولَ لِعِبادِ الشَّيْطانِ الَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَنِ السُّجُودِ لِلرَّحْمَنِ، وعَنِ الِاعْتِرافِ والإيمانِ، لِيَرْجِعُوا عَنِ العِصْيانِ، ويَزْدادَ المُؤْمِنُونَ في الطّاعاتِ والإيمانِ: إنْ رَبَّهُ لا يَعْتَدُّ بِمَن لا يَدْعُوهُ، فَمَن تَرَكَ دُعاءَهُ فَلْيَرْتَقِبِ العَذابَ الدّائِمَ، فَقالَ: ﴿قُلْ ما يَعْبَأُ﴾ أيْ يَعْتَدُّ (p-٤٣٨)ويُبالِي ويَجْعَلُكم مِمَّنْ يَسُدُّ بِهِ في مَوْضِعِ التَّعْبِئَةِ الآنَ - عَلى أنَّ ”ما“ نافِيَةٌ ﴿بِكُمْ﴾ أيْ أيُّها الكافِرُونَ ﴿رَبِّي﴾ أيِ المُحْسِنُ إلَيَّ وإلَيْكم بِرَحْمانِيَّتِهِ، المُخَصِّصُ لِي بِالإحْسانِ بِرَحِيمِيَّتِهِ، وإنَّما خَصَّهُ بِالإضافَةِ لِاعْتِرافِهِ دُونَهم ﴿لَوْلا دُعاؤُكُمْ﴾ أيْ نِداؤُكم لَهُ في وقْتِ شَدائِدِكُمُ الَّذِي أنْتُمْ تُبادِرُونَ إلَيْهِ فِيهِ خُضُوعًا لَهُ بِهِ لِيُنْجِيَكُمْ، فَإذا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ أنْقَذَكم مِمّا أنْتُمْ فِيهِ، مُعامَلَةً لَكم مُعامَلَةَ مَن يُبالِي بِالإنْسانِ ويَعْتَدُّ بِهِ ويُراعِيهِ، ولَوْلا دُعاؤُهُ إيّاكم لِتَعْبُدُوهُ رَحْمَةً لَكم لِتُزَكُّوا أنْفُسَكم وتُصَفُّوا أعْمالَكم ولا تَكُونُوا حَطَبًا لِلنّارِ ﴿فَقَدْ كَذَّبْتُمْ﴾ أيْ فَتَسَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ لِسُوءِ طِباعِكم ضِدَّ ما كانَ يَنْبَغِي لَكم مِنَ الشُّكْرِ والخَيْرِ بِأنْ عَقَّبْتُمْ بِالإنْجاءِ وحَقَّقْتُمْ وقَرَنْتُمُ التَّكْذِيبَ بِالرَّحْمَنِ بَعْدَ رَحْمَتِكم بِالبَيانِ مَعَ ضَعْفِكم وعَجْزِكُمْ، وتَرَكْتُمْ ذَلِكَ الدُّعاءَ لَهُ وعَبَدْتُمُ الأوْثانَ، وادَّعَيْتُمْ لَهُ الوَلَدَ وغَيْرَهُ مِنَ البُهْتانِ، أوْ ما يَعْتَدُّ بِكم شَيْئًا مِنَ الِاعْتِدادِ لَوْلا دُعاؤُكم إيّاهُ وقْتَ الشَّدائِدِ، فَهو يَعْتَدُّ بِكم لِأجْلِهِ نَوْعَ اعْتِدادٍ، وهو المُدَّةُ الَّتِي ضَرَبَها لَكم في الدُّنْيا لا غَيْرُها، بِسَبَبِ أنَّكم قَدْ كَذَّبْتُمْ، أوْ ما يَصْنَعُ بِكم لَوْلا دُعاؤُهُ إيّاكم إلى طاعَتِهِ، لِأنَّكم قَدْ كَذَّبْتُمْ، فَكُنْتُمْ شَرًّا مِنَ البَهائِمِ، فَدَعاكم فَتَسَبَّبَ عَنْ دُعائِهِ إيّاكم أنَّكم فاجَأْتُمُ الدّاعِيَ بِالتَّكْذِيبِ، والحاصِلُ أنَّهُ لَيْسَ فِيكُمُ الآنَ (p-٤٣٩)ما يَصْلُحُ أنْ يَعْتَدَّ بِكم لِأجْلِهِ إلّا الدُّعاءُ، لِأنَّكم مُكَذِّبُونَ، وإنَّما قُلْتُ: ”الآنَ“ لِأنَّ ”ما“ لا تَدْخُلُ إلّا عَلى مُضارِعٍ بِمَعْنى الحالِ، عَكْسُ ”لا“ ﴿فَسَوْفَ﴾ أيْ فَتَسَبَّبَ عَنْ تَكْذِيبِكم أنَّهُ يُجازِيكم عَلى ذَلِكَ، ولَكِنَّهُ مَعَ قُوَّتِهِ وقُدْرَتِهِ واخْتِيارِهِ لا يُعاجِلُكُمْ، بَلْ ﴿يَكُونُ﴾ جَزاءُ هَذا التَّكْذِيبِ عِنْدَ انْقِضاءِ ما ضَرَبَهُ لَكم مِنَ الآجالِ، وكُلُّ بَعِيدٍ عِنْدَكم قَرِيبٌ عِنْدَهُ، وكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ، فَتَهَيَّؤُوا واعْتَدُّوا لِذَلِكَ اليَوْمِ ﴿لِزامًا﴾ أيْ لازِمًا لَكم لُزُومًا عَظِيمًا لا انْفِكاكَ لَهُ عَنْكم بِحالٍ، وهَذا تَنْبِيهٌ عَلى ضَعْفِهِمْ وعَجْزِهِمْ، وذُلِّهِمْ وقَهْرِهِمْ، لِأنَّ المَلْزُومَ لا يَكُونُ إلّا كَذَلِكَ، فَأسَرَهم يَوْمَ بَدْرٍ مِن أفْرادِ هَذا التَّهْدِيدِ، فَقَدِ انْطَبَقَ آخِرُ السُّورَةِ عَلى أوَّلِها بِالإنْذارِ بِالفُرْقانِ، لِمَن أنْكَرَ حَقِيقَةَ الرَّحْمَنِ - واللَّهُ ولِيُّ التَّوْفِيقِ بِالإيمانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب