الباحث القرآني

ولَمّا وصَفَ سُبْحانَهُ عِبادَهُ المُؤْمِنِينَ بِضِدِّ أوْصافِ الكافِرِينَ مِنَ الرِّفْقِ والسَّكِينَةِ، والتَّواضُعِ والحِلْمِ والطُّمَأْنِينَةِ والشُّكْرِ لِرَبِّهِمْ والرَّغْبَةِ إلَيْهِ والرَّهْبَةِ مِنهُ. وقالَ الرّازِي: فَوَصَفَ مَشْيَهم وخِطابَهم وانْتِصابَهم لَهُ ودُعاءَهم ونَفَقاتِهِمْ ونَزاهَتَهم وتَيَقُّظَهم وانْتِباهَهم وصِدْقَهم ومَحَبَّتَهم ونُصْحَهم. تَشَوَّفَ السّامِعُ إلى ما لَهم عِنْدَهُ بَعْدَ المَعْرِفَةِ (p-٤٣٦)بِما لِلْكافِرِينَ، فابْتَدَأ الخَبَرَ عَنْ ذَلِكَ بِتَعْظِيمِ شَأْنِهِمْ فَقالَ: ﴿أُولَئِكَ﴾ أيِ العالُو الرُّتْبَةِ، العَظِيمُو المَنزِلَةِ. ولَمّا كانَ المَقْصُودُ إنَّما هو الجَزاءُ، بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ قَوْلُهُ: ﴿يُجْزَوْنَ﴾ أيْ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ عَلى ما وفَّقَهم لَهُ مِن هَذِهِ الأعْمالِ الزّاكِيَةِ، والأحْوالِ الصّافِيَةِ ﴿الغُرْفَةَ﴾ أيِ الَّتِي هي لِعُلُوِّها واتِّساعِها وطِيبِها لا غُرْفَةَ غَيْرُها، لِأنَّها مُنْتَهى الطَّلَبِ، وغايَةُ الأرَبِ، لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا، ولا يُرِيدُونَ بِها بَدَلًا، وهي كُلُّ بِناءٍ عالٍ مُرْتَفِعٍ، والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِها الجِنْسُ. ولَمّا كانَتِ الغَرْبُ في غايَةِ التَّعَبِ لِمُنافاتِها لِشَهَواتِ النَّفْسِ وهَواها وطَبْعِ البَدَنِ، رَغَّبَ فِيها بِأنْ جَعَلَها سَبَبًا لِهَذا الجَزاءِ فَقالَ: ﴿بِما صَبَرُوا﴾ أيْ أوْقَعُوا الصَّبْرَ عَلى أمْرِ رَبِّهِمْ ومَرارَةِ غُرْبَتِهِمْ بَيْنَ الجاهِلِينَ في أفْعالِهِمْ وأقْوالِهِمْ وأحْوالِهِمْ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِن مَعانِي جَلالِهِمْ. ولَمّا كانَ المَنزِلُ لا يَطِيبُ إلّا بِالكَرامَةِ والسَّلامَةِ، قالَ: ﴿ويُلَقَّوْنَ﴾ أيْ يَجْعَلُهُمُ اللَّهُ لاقِينَ بِأيْسَرِ أمْرٍ؛ وعَلى قِراءَةِ حَمْزَةَ والكِسائِيِّ وأبِي بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ بِالتَّخْفِيفِ والبِناءِ لِلْفاعِلِ والأمْرُ واضِحٌ (p-٤٣٧)﴿فِيها تَحِيَّةً﴾ أيْ دُعاءٌ بِالحَياةِ مِن بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، ومِنَ المَلائِكَةِ الَّذِينَ لا يُرَدُّ دُعاؤُهُمْ، ولا يُمْتَرى في إخْبارِهِمْ، لِأنَّهم عَنِ اللَّهِ يَنْطِقُونَ، وذَلِكَ عَلى وجْهِ الإكْرامِ والإعْظامِ مَكانَ ما أهانَهم عِبادُ الشَّيْطانِ ﴿وسَلامًا﴾ أيْ مِنَ اللَّهِ ومِنَ المَلائِكَةِ وغَيْرِهِمْ، وسَلامَةٍ مِن كُلِّ آفَةٍ مَكانَ ما أصابُوهم بِالمَصائِبِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب