الباحث القرآني

ولَمّا أشْعَرَتِ الفاءُ بِالتَّسْبِيبِ، ودَلَّ تَأْكِيدُ الفِعْلِ بِالمَصْدَرِ عَلى الِاحْتِياجِ إلى عَمَلٍ كَثِيرٍ (p-٤٣١)رُبَّما جَلَّ عَنْ طَوْقِ البَشَرِ، وأشارَ إلى التَّطْرِيقِ لَهُ بِالوَصْفَيْنِ العَظِيمَيْنِ، أتْبَعَ ذَلِكَ بَيانَ الطَّرِيقِ إلَيْهِ بِما أجْرى مِنَ العادَةِ فَقالَ: ﴿ومَن تابَ﴾ أيْ عَنِ المَعْصِيَةِ كُفْرًا كانَتْ أوْ ما دُونَهُ ﴿وعَمِلَ﴾ تَصْدِيقًا لِادِّعائِهِ التَّوْبَةَ. ولَمّا كانَ في سِياقِ التَّرْغِيبِ، أعَراهُ مِنَ التَّأْكِيدِ فَقالَ: ﴿صالِحًا﴾ ولَوْ كانَ كُلٌّ مِن نِيَّتِهِ وعَمَلِهِ ضَعِيفًا؛ ورَغَّبَ سُبْحانَهُ في ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مُعْلِمًا أنَّهُ يَصِلُ إلى اللَّهِ: ﴿فَإنَّهُ يَتُوبُ﴾ أيْ يَرْجِعُ واصِلًا ﴿إلى اللَّهِ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ صِفاتُ الكَمالِ، فَهو يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ، ويَعْفُو عَنِ السَّيِّئاتِ ﴿مَتابًا﴾ أيْ رُجُوعًا عَظِيمًا جِدًّا بِأنْ يُرَغِّبَهُ اللَّهُ في الأعْمالِ الصّالِحَةِ، فَلا يَزالُ كُلَّ يَوْمٍ في زِيادَةٍ في نِيَّتِهِ وعَمَلِهِ، فَيَخِفُّ ما كانَ عَلَيْهِ ثَقِيلًا، ويَتَيَسَّرُ لَهُ ما كانَ عَسِيرًا، ويَسْهُلُ عَلَيْهِ ما كانَ صَعْبًا، كَما تَقَدَّمَ في ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهم بِإيمانِهِمْ﴾ [يونس: ٩] ولا يَزالُ كَذَلِكَ حَتّى يُحِبَّهُ فَيَكُونُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، ويَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِها، ورِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِها، بِأنْ يُوَفِّقَهُ لِلْخَيْرِ، فَلا يَسْمَعُ إلّا ما يُرْضِيهِ، وهَكَذا، ومَن أجْراهُ عَلى ظاهِرِهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، لِمُخالَفَتِهِ إجْماعَ المُسْلِمِينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب