الباحث القرآني
ولَمّا ذَكَرَ عِبادَهُ الَّذِينَ خَذَلَهم بِتَسْلِيطِ الشَّيْطانِ عَلَيْهِمْ فَصارُوا حِزْبَ الشَّيْطانِ، ولَمْ يَصِفْهم إلى اسْمٍ مِن أسْمائِهِ، إيذانًا بِإهانَتِهِمْ لِهَوائِهِمْ عِنْدَهُ، وهُمُ الَّذِينَ صَرَّحَ بِهِمْ قَوْلُهُ أوَّلَ السُّورَةِ ﴿نَذِيرًا﴾ [الفرقان: ١] وخَتَمَ بِالتَّذَكُّرِ والشُّكْرِ إشارَةً إلى عِبادِهِ الَّذِينَ أخْلَصَهم لِنَفْسِهِ، وأشارَ إلَيْهِمْ سابِقًا بِتَخْصِيصِ الوَصْفِ بِالفُرْقانِ، فَأتْبَعَ ذَلِكَ ذِكْرُهُمْ، فَقالَ عاطِفًا عَلى جُمْلَةِ الكَلامِ في قَوْلِهِ ﴿وإذا قِيلَ لَهُمُ﴾ [الفرقان: ٦٠] لَكِنَّهُ رَفَعَهم بِالِابْتِداءِ (p-٤٢٠)تَشْرِيفًا لَهُمْ: ﴿وعِبادُ﴾ ويَجُوزُ أنْ يُقالَ ولَعَلَّهُ أحْسَنُ: أنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا وصَفَ الكُفّارَ في هَذِهِ السُّورَةِ بِما وصَفَهم بِهِ مِنَ الفَظاظَةِ والغِلْظَةِ عَلى النَّبِيِّ ﷺ، وعَداوَتِهِمْ لَهُ، ومُظاهَرَتِهِمْ عَلى خالِقِهِمْ، ونَحْوِ ذَلِكَ مِن جَلافَتِهِمْ، وخَتَمَ بِالتَّذَكُّرِ والشُّكْرِ، وكانَ التَّقْدِيرُ: فَعِبادُ الشَّيْطانِ لا يَتَذَكَّرُونَ ولا يَشْكُرُونَ، لِما لَهم مِنَ القَسْوَةِ، عَطَفَ عَلى هَذا المُقَدَّرِ أضْدادَهُمْ، واصِفًا لَهم بِأضْدادِ أوْصافِهِمْ، مُبَشِّرًا لَهم بِضِدِّ جَزائِهِمْ، فَقالَ: وعِبادُ ﴿الرَّحْمَنِ﴾ فَأضافَهم إلَيْهِ رِفْعَةً لَهم وإنْ كانَ كُلُّ الخَلْقِ عِبادَهُ، وأضافَهم إلى صِفَةِ وصْفِ الرَّحْمَةِ الأبْلَغِ الَّذِي أنْكَرَهُ أُولَئِكَ تَبْشِيرًا لَهُمْ؛ ثُمَّ وصَفَهم بِضِدِّ ما وصَفَ بِهِ المُتَكَبِّرِينَ عَنِ السُّجُودِ، إشارَةً إلى أنَّهم تَخَلَّقُوا مِن هَذِهِ الصِّفَةِ الَّتِي أُضِيفُوا إلَيْها بِأمْرٍ كَبِيرٍ، فَقالَ: ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ﴾ وقالَ: ﴿عَلى الأرْضِ﴾ تَذْكِيرًا بِما هم مِنهُ وما يَصِيرُونَ إلَيْهِ، وحَثًّا عَلى السَّعْيِ في مَعالِي الأخْلاقِ لِلتَّرَقِّي عَنْهُ، وعَبَّرَ عَنْ حالِهِمْ بِالمَصْدَرِ مُبالَغَةً في اتِّصافِهِمْ بِمَدْلُولِهِ حَتّى كانُوا إيّاهُ، فَقالَ: ﴿هَوْنًا﴾ أيْ ذَوِي هَوْنٍ، أيْ لِينٍ ورِفْقٍ وسَكِينَةٍ ووَقارٍ وإخْباتٍ وتَواضُعٍ، لا يُؤْذُونَ أحَدًا ولا يَفْخَرُونَ، رَحْمَةً لِأنْفُسِهِمْ وغَيْرِهِمْ، غَيْرَ مُتابِعِينَ ما هم فِيهِ مِنَ الحَرارَةِ الشَّيْطانِيَّةِ، فَبَرِؤُوا مِن (p-٤٢١)حُظُوظِ الشَّيْطانِ، لِأنَّ مَن كانَ مِنَ الأرْضِ وإلَيْها يَعُودُ لا يَلِيقُ بِهِ إلّا ذَلِكَ، والأحْسَنُ أنْ يَجْعَلَ هَذا خَبَرَ ”العِبادِ“، ويَكُونُ
﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ﴾ [الفرقان: ٧٥] اسْتِئْنافًا مُتَشَوِّفًا إلَيْهِ تَشَوُّفَ المُسْتَنْتِجِ إلى النَّتِيجَةِ.
ولَمّا ذَكَرَ ما أثْمَرَهُ العِلْمُ مِنَ الفِعْلِ في أنْفُسِهِمْ، أتْبَعَهُ ما أنْتَجَهُ الحِلْمُ مِنَ القَوْلِ لِغَيْرِهِمْ فَقالَ: ﴿وإذا﴾ دُونَ ”إنْ“ لِقَضاءِ العادَةِ بِتَحَقُّقِ مَدْخُولِها، ولَمْ يَقُلْ: والَّذِينَ كَبَقِيَّةِ المَعْطُوفاتِ، لِأنَّ الخَصْلَتَيْنِ كَشَيْءٍ واحِدٍ مِن حَيْثُ رُجُوعُهُما إلى التَّواضُعِ ﴿خاطَبَهُمُ﴾ خِطابًا ما، بِجَهْلٍ أوْ غَيْرِهِ وفي وقْتٍ ما ﴿الجاهِلُونَ﴾ أيِ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ ما يُخالِفُ العِلْمَ والحِكْمَةَ ﴿قالُوا سَلامًا﴾ أيْ ما فِيهِ سَلامَةٌ مِن كُلِّ سُوءٍ، ولَيْسَ المُرادُ التَّحِيَّةَ - نَقَلَ ذَلِكَ سِيبَوَيْهِ عَنْ أبِي الخَطّابِ، قالَ: لِأنَّ الآيَةَ فِيما زَعَمَ مَكِّيَّةٌ، ولَمْ يُؤْمَرِ المُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ أنْ يُسَلِّمُوا عَلى المُشْرِكِينَ، ولَكِنَّهُ عَلى قَوْلِكَ: تَسْلِيمًا لا خَيْرَ بَيْنَنا وبَيْنَكم ولا شَرًّا - انْتَهى.
فَلا حاجَةَ إلى ادِّعاءِ نَسْخِها بِآيَةِ القِتالِ ولا غَيْرِها، لِأنَّ الإغْضاءَ عَنِ السُّفَهاءِ (p-٤٢٢)وتَرْكَ المُقابَلَةِ مُسْتَحْسَنٌ في الأدَبِ والمُرُوءَةِ والشَّرِيعَةِ، وأسْلَمُ لِلْعِرْضِ والوَرَعِ، وكَأنَّهُ أطْلَقَ الخِطابَ إعْلامًا بِأنَّ أكْثَرَ قَوْلِ الجاهِلِ الجَهْلُ.
{"ayah":"وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلَّذِینَ یَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنࣰا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَـٰهِلُونَ قَالُوا۟ سَلَـٰمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق