الباحث القرآني

ولَمّا رَمَوْهُ بِهَذِهِ الأقْوالِ الَّتِي هم فِيها في خَبْطِ عَشْواءَ، وكانَتْ مَعَ كَوْنِها ظاهِرَةَ العَوارِ، عِنْدَ مَن لَهُ أدْنى اسْتِبْصارٍ، تَرُوجُ عَلى بَعْضِ العَرَبِ بَعْضَ الرَّواجِ، مَعَ سَعَةِ عُقُولِهِمْ، وصِحَّةِ أفْكارِهِمْ، لِشُبَهٍ واهِيَةٍ مَكَّنَهم فِيها التَّقْلِيدُ، وشِدَّةُ الإلْفِ لِما هم عَلَيْهِ مِنَ الزَّمَنِ المَدِيدِ، أمَرَهُ سُبْحانَهُ بِجَوابِهِمْ مُسْتَأْنِفًا فَقالَ: ﴿قُلْ﴾ أيْ دالًّا عَلى بُطْلانِ ما قالُوهُ مُهَدِّدًا لَهُمْ: ﴿أنْـزَلَهُ﴾ أيِ القُرْآنَ مِن خَزائِنِ عِلْمِهِ خِلافًا لِجَمِيعِ ما تَقَوَّلْتُمُوهُ ﴿الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ﴾ أيْ كُلَّهُ، لا يَخْفى عَلَيْهِ مِنهُ خافِيَةٌ فَكَيْفَ بِالجَهْرِ! ﴿فِي السَّماواتِ والأرْضِ﴾ فَهو يُجِيبُكم عَنْ كُلِّ ما تَقَوَّلْتُمُوهُ فِيَّ وفي كِتابِهِ وإنْ أسْرَرْتُمُوهُ، ويُبَيِّنُ جَمِيعَ ما يَحْتاجُ إلَيْهِ العِبادُ في الدّارَيْنِ في كَلامٍ مُعْجِزٍ لَفْظًا ومَعْنًى عَلى وجْهٍ يَتَحَقَّقُ كُلُّ ذِي لُبٍّ أنَّهُ لا يَقُولُهُ إلّا عالِمٌ بِجَمِيعِ المَعْلُوماتِ، ولا يُحِيطُ بِجَمِيعِ المَعْلُوماتِ سِواهُ، وهَذا ظاهِرٌ جِدًّا مِن إخْبارِهِ بِالماضِي بِما يُصَدِّقُهُ العُلَماءُ مِنَ الماضِينَ، وحُكْمُهُ عَلى الآتِي بِما يَكُونُ ضَرْبَةَ لازِمٍ، وإظْهارُهُ الخَبْءَ وإحْكامُهُ لِجَمِيعِ ما يَقُولُهُ، وقَدْ جَرَتْ عادَتُهُ سُبْحانَهُ وتَعالى بِالِانْتِقامِ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَيْهِ بِإظْهارِ كَذِبِهِ أوَّلًا، ثُمَّ بِأخْذِهِ ثانِيًا، ثُمَّ عَذابِهِ العَذابَ الأكْبَرَ ثالِثًا، فَسَتَنْظُرُونَ مَن يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ، وقَدْ بانَ لِعَمْرِي صِدْقُهُ لِما (p-٣٤٢)وقَعَ مِنَ الأُمُورِ الثَّلاثَةِ. ولَمّا كانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ العالِمَ بِكُلِّ شَيْءٍ قادِرٍ عَلى شَيْءٍ كَما مَضى تَقْرِيرُهُ في سُورَةِ طَهَ، وكانَتِ العادَةُ جارِيَةً بِأنَّ مَن عَلِمَ اسْتِخْفافَ غَيْرِهِ بِهِ وكانَ قادِرًا عَلَيْهِ عاجَلَهُ بِالأخْذِ، أُجِيبَ مَن كَأنَّهُ قالَ: فَما لَهُ لا يُهْلِكُ المُكَذِّبِينَ لَهُ؟ بِقَوْلِهِ مُرَغِّبًا لَهم في التَّوْبَةِ، مُشِيرًا إلى قُدْرَتِهِ بِالسِّتْرِ والإنْعامِ، ومُبَيِّنًا لِفائِدَةِ إنْزالِهِ إلَيْهِمْ هَذا الذِّكْرَ مِنَ الرُّجُوعِ عَمّا تَمادَتْ عَلَيْهِ أزْمانَهم مِنَ الكُفْرِ وأنْواعِ المَعاصِي: ﴿إنَّهُ كانَ﴾ أزَلًا وأبَدًا ﴿غَفُورًا﴾ أيْ بَلِيغَ السِّتْرِ لِما يُرِيدُ مِن ذُنُوبِ عِبادِهِ، بِأنْ لا يُعاتِبَهم عَلَيْها ولا يُؤاخِذُهم بِها ﴿رَحِيمًا﴾ بِهِمْ في الإنْعامِ عَلَيْهِمْ بَعْدَ خَلْقِهِمْ، بِرِزْقِهِمْ وتَرْكِيبِ العُقُولِ فِيهِمْ، ونَصْبِ الأدِلَّةِ لَهُمْ، وإرْسالِ الرُّسُلِ وإنْزالِ الكُتُبِ فِيهِمْ، وإمْهالِهِمْ في تَكْذِيبِهِمْ، أيْ فَلَيْسَ لِإمْهالِهِمْ ووَعْظِهِمْ بِما نَزَّلَهُ إلَيْهِمْ سَبَبٌ إلّا رَحْمَتُهُ وغُفْرانُهُ وعِلْمُهُ بِأنَّ كِتابَهُ صَلاحٌ لِأحْوالِهِمْ في الدّارَيْنِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب