الباحث القرآني

ولَمّا وقَعَ جَوابُهم عَنْ قَوْلِهِمْ ﴿لَوْلا أُنْـزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ﴾ [الفرقان: ٧] وكانَ قَدْ بَقِيَ قَوْلُهم ﴿أوْ يُلْقى إلَيْهِ كَنْـزٌ﴾ [الفرقان: ٨] أُشِيرَ إلى مَزِيدِ الِاهْتِمامِ بِجَوابِهِ بِإبْرازِهِ في صُورَةِ الجَوابِ لِمَن كَأنَّهُ قالَ: ماذا يُقالُ لَهم إذا تَظاهَرُوا وطَعَنُوا في الرِّسالَةِ بِما تَقَدَّمَ وغَيْرِهِ؟ فَقالَ: ﴿قُلْ﴾ أيْ لَهم يا أكْرَمَ الخَلْقِ حَقِيقَةً، وأعْدَلَهم طَرِيقَةً مُحْتَجًّا عَلَيْهِمْ بِإزالَةِ ما يَكُونُ مَوْضِعًا لِلتُّهْمَةِ: (p-٤١٢)﴿ما أسْألُكم عَلَيْهِ﴾ أيْ عَلى الإبْلاغِ بِالبِشارَةِ والنِّذارَةِ ﴿مِن أجْرٍ﴾ لِتَتَّهِمُونِي أنِّي أدْعُوكم لِأجْلِهِ، أوْ تَقُولُوا: لَوْلا أُلْقِيَ إلَيْهِ كَنْزٌ لِيَغْتَنِيَ بِهِ عَنْ ذَلِكَ، فَكَأنَّهُ يَقُولُ: الِاقْتِصارُ عَنِ التَّوَسُّعِ في المالِ إنَّما يُكْرَهُ لِمَن يَسْألُ النّاسَ، ولَيْسَ هَذا مِن شِيَمِي قَبْلَ النُّبُوَّةِ فَكَيْفَ بِما بَعْدَها؟ فَلا غَرَضَ لِي حِينَئِذٍ إلّا نَفْعُكم. ثُمَّ أكَّدَ هَذا المَعْنى بِقَوْلِهِ، مُسْتَثْنِيًا لِأنَّ الِاسْتِثْناءَ مِعْيارُ العُمُومِ: ﴿إلا مَن﴾ أيْ إلّا أجْرَ مَن ﴿شاءَ أنْ يَتَّخِذَ﴾ أيْ يُكَلِّفَ نَفْسَهُ ويُخالِفَ هَواهُ ويَجْعَلَ لَهُ ﴿إلى رَبِّهِ سَبِيلا﴾ فَإنَّهُ إذا اهْتَدى بِهِدايَةِ رَبِّهِ كانَ لِي مِثْلُ أجْرِهِ، لا نَفْعَ لِي مِن جِهَتِكم إلّا هَذا، فَإنْ سَمَّيْتُمْ هَذا أجْرًا فَهو مَطْلُوبِي، ولا مِرْيَةَ في أنَّهُ لا يَنْقُصُ أحَدًا شَيْئًا مِن دُنْياهُ، فَلا ضَرَرَ عَلى أحَدٍ في طَيِّ الدُّنْيا عَنِّي، فَأفادَ هَذا فائِدَتَيْنِ: إحْداهُما أنَّهُ لا طَمَعَ لَهُ أصْلًا في شَيْءٍ يَنْقُصُهُمْ، والثّانِيَةُ إظْهارُ الشَّفَقَةِ البالِغَةِ بِأنَّهُ يُعْتَدُّ بِمَنفَعَتِهِمُ المُوصِلَةِ لَهم إلى رَبِّهِمْ ثَوابًا لِنَفْسِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب