الباحث القرآني
ولَمّا ذَكَرَ تَصْرِيفَ الفُرْقانِ، ونَشْرَهُ في جَمِيعِ البُلْدانِ، بَعْدَ إثارَةِ الرِّياحِ ونَشْرِ السَّحابِ، وخَلْطِ الماءِ بِالتُّرابِ، لِجَمْعِ النَّباتِ وتَفْرِيقِهِ، أتْبَعَهُ - تَذْكِيرًا بِالنِّعْمَةِ، وتَحْذِيرًا مِن إحْلالِ النِّقْمَةِ - الحَجْزَ بَيْنَ أنْواعِ الماءِ الَّذِي لا أعْظَمُ امْتِزاجًا مِنهُ، وجَمَعَ كَلَّ نَوْعٍ مِنها عَلى حِدَتِهِ، ومَنعَهُ مِن أنْ يَخْتَلِطَ بِالآخَرِ مَعَ اخْتِلاطِ الكُلِّ بِالتُّرابِ المُتَّصِلِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، فَقالَ عائِدًا إلى أُسْلُوبِ الغَيْبَةِ تَذْكِيرًا بِالإحْسانِ بِالعَطْفِ عَلى ضَمِيرِ ”الرَّبِّ“ في آيَةِ الظِّلِّ:﴿وهُوَ﴾ أيْ وحْدَهُ ﴿الَّذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ﴾ أيِ الماءَيْنِ الكَثِيرِينَ الواسِعِينَ بِأنْ جَعَلَهُما مُضْطَرِبَيْنِ كَما تُشاهِدُونَهُ مِن شَأْنِ الماءِ؛ وقالَ الرّازِي: خَلّى بَيْنَهُما كَأنَّهُ أرْسَلَهُما في مَجارِيهِما كَما تُرْسَلُ الخَيْلَ في المَرْجِ، وأصْلُ المَرْجِ يَدُلُّ عَلى ذَهابٍ ومَجِيءٍ واضْطِرابٍ والتِباسٍ.
ولَمّا كانَ الِاضْطِرابُ مُوجِبًا لِلِاخْتِلاطِ، وكانَتْ ”ال“ دائِرَةً بَيْنَ العَهْدِ والجِنْسِ، تَشَوَّفَ السّامِعُ إلى السُّؤالِ عَنْ ذَلِكَ، فَأُجِيبَ بِأنَّ المُرادَ جِنْسُ الماءِ الحُلْوِ والمِلْحِ، لِأنَّ البَحْرَ في الأصْلِ الماءُ الكَثِيرُ، وبِأنَّهُ سُبْحانَهُ مَنَعَهُما مِنَ الِاخْتِلاطِ، مَعَ المُوجِبِ لَهُ في العادَةِ، بِقُدْرَتِهِ الباهِرَةِ، (p-٤٠٧)وعَظْمَتِهِ القاهِرَةِ، فَقالَ: ﴿هَذا عَذْبٌ﴾ أيْ حُلْوٌ سائِغٌ ﴿فُراتٌ﴾ أيْ شَدِيدُ العُذُوبَةِ بالِغُ الغايَةِ فِيها حَتّى يَضْرِبَ إلى الحَلاوَةِ، لا فَرْقَ بَيْنَ ما كانَ مِنهُ عَلى وجْهِ الأرْضِ وما كانَ في بَطْنِها ﴿وهَذا مِلْحٌ﴾ شَدِيدُ المُلُوحَةِ ﴿أُجاجٌ﴾ أيْ مُرٌّ مُحْرِقٌ بِمُلُوحَتِهِ ومَرارَتِهِ، لا يَصْلُحُ لِسَقْيٍ ولا شُرْبٍ، ولَعَلَّهُ أشارَ بِأداةِ القُرْبِ في المَوْضِعَيْنِ تَنْبِيهًا عَلى وُجُودِ المَوْضِعَيْنِ، مَعَ شِدَّةِ المُقارَبَةِ، لا يَلْتَبِسُ أحَدُهُما بِالآخَرِ حَتّى أنَّهُ إذا حَفَرَ عَلى شاطِئِ البَحْرِ المِلْحِ بِالقُرْبِ مِنهُ جِدًّا خَرَجَ الماءُ عَذْبًا جِدًّا ﴿وجَعَلَ﴾ أيِ اللَّهُ سُبْحانَهُ ﴿بَيْنَهُما بَرْزَخًا﴾ أيْ حاجِزًا مِن قُدْرَتِهِ مانِعًا مِنَ اخْتِلاطِهِما.
ولَمّا كانا يَلْتَقِيانِ ولا يَخْتَلِطانِ، كانَ كُلٌّ مِنهُما بِالِاخْتِلاطِ في صُورَةِ الباغِي عَلى الآخَرِ، فَأتَمَّ سُبْحانَهُ تَقْرِيرَ النِّعْمَةِ في مَنعِهِما الِاخْتِلاطَ بِالكَلِمَةِ الَّتِي جَرَتْ عادَتُهم بِقَوْلِها عِنْدَ التَّعَوُّذِ، تَشْبِيهًا لِكُلٍّ مِنهُما بِالمُتَعَوَّذِ، لِيَكُونَ الكَلامُ - مَعَ أنَّهُ خَبَرٌ - مُحْتَمِلًا لِلتَّعَوُّذِ، فَيَكُونُ مِن أحْسَنِ الِاسْتِعاراتِ وأشْهَدِها عَلى البَلاغَةِ فَقالَ:﴿وحِجْرًا﴾ أيْ مَنعًا ﴿مَحْجُورًا﴾ أيْ مَمْنُوعًا مِن أنْ يَقْبَلَ رَفْعًا، كُلُّ هَذا التَّأْكِيدِ إشارَةً إلى جَلالَةِ هَذِهِ الآيَةِ وإنْ كانَتْ قَدْ صارَتْ لِشِدَّةِ الإلْفِ بِها مُعْرَضًا عَنْها (p-٤٠٨)إلى الغايَةِ، لِتُعْرَفَ بِها قُدْرَتُهُ، وتُشْكَرَ نِعْمَتُهُ.
{"ayah":"۞ وَهُوَ ٱلَّذِی مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَیۡنِ هَـٰذَا عَذۡبࣱ فُرَاتࣱ وَهَـٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجࣱ وَجَعَلَ بَیۡنَهُمَا بَرۡزَخࣰا وَحِجۡرࣰا مَّحۡجُورࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











