الباحث القرآني

ولَمّا أنْتَجَتْ هَذِهِ الآياتُ كُلُّها أنَّهم مُعانِدُونَ لِرَبِّهِمْ، وأنَّهم يُرِيدُونَ بِهَذِهِ السُّؤالاتِ أنْ يُضَلِّلُوا سَبِيلَهُ، ويَحْتَقِرُوا مَكانَتَهُ، ويُهْدِرُوا مَنزِلَتَهُ، (p-٣٨٢)عُلِمَ قَطْعًا أنَّهُ يَعْمُرُ بِهِمْ دارَ الشَّقاءِ، وكانَ ذَلِكَ أدَلَّ عَلى أنَّهم أعْمى النّاسِ عَنِ الطُّرُقِ المَحْسُوسَةِ، فَضْلًا عَنِ الأمْثالِ المَعْلُومَةِ، والتَّمْثِيلِ لِلْمَدارِكِ الغامِضَةِ، وأنَّهم أحْقَرُ النّاسِ لِأنَّهُ لا يَنْتَقِصُ الأفاضِلَ إلّا ناقِصٌ، ولا يَتَكَلَّمُ الإنْسانُ إلّا فِيمَن هو خَيْرٌ مِنهُ، قالَ مُعادِلًا لِقَوْلِهِ: ﴿أصْحابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ﴾ [الفرقان: ٢٤] واصِفًا لِما تَقَدَّمَ أنَّهُ أظْهَرَهُ مَوْضِعَ الإضْمارِ مِن قَوْلِهِ ”الَّذِينَ كَفَرُوا“ ﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ﴾ أيْ يَجْمَعُونَ قَهْرًا ماشِينَ مَقْلُوبِينَ ﴿عَلى وُجُوهِهِمْ﴾ أوْ مَسْحُوبَيْنِ ﴿إلى جَهَنَّمَ﴾ كَما أنَّهم في الدُّنْيا كانُوا يَعْمَلُونَ ما كَأنَّهم مَعَهُ لا يُبْصِرُونَ ولا تَصَرُّفَ لَهم في أنْفُسِهِمْ، تَؤُزُّهُمُ الشَّياطِينُ أزًّا، فَإنَّ الآخِرَةَ مِرْآةُ الدُّنْيا، مَهْما عَمِلَ هُنا رُئِيَ هُناكَ، كَما أنَّ الدُّنْيا مَزْرَعَةُ الآخِرَةِ، مَهْما عَمِلَ فِيها جُنِيَتْ ثَمَرَتُهُ هُناكَ ”رَوى البُخارِيُّ «عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنْ رَجُلًا قالَ: يا نَبِيَّ اللَّهِ! كَيْفَ يُحْشَرُ الكافِرُ عَلى وجْهِهِ يَوْمَ القِيامَةِ؟ قالَ:“ ألَيْسَ الَّذِي أمْشاهُ عَلى الرِّجْلَيْنِ في الدُّنْيا قادِرًا عَلى أنْ يُمْشِيَهُ عَلى وجْهِهِ يَوْمَ القِيامَةِ؟ قالَ قَتادَةُ: يَعْنِي الرّاوِي عَنْ أنَسٍ: بَلى وعِزَّةِ رَبِّنا ”» . (p-٣٨٣)ولَمّا وصَفَ المُتَعَنِّتِينَ في أمْرِ القُرْآنِ بِهَذا الوَصْفِ، اسْتَأْنَفَ الإخْبارَ بِأنَّهم مُتَّصِفُونَ بِما أُلْزِمُوا بِهِ مِن أنَّ الإتْيانَ بِالقُرْآنِ مُفَرَّقًا وضْعٌ لِلشَّيْءِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَقالَ: ﴿أُولَئِكَ﴾ أيِ البُعَداءُ البُغَضاءُ ﴿شَرٌّ﴾ أيْ شَرُّ خَلْقٍ ﴿مَكانًا وأضَلُّ سَبِيلا﴾ حَيْثُ عَمُوا عَنْ طَرِيقِ الجَنَّةِ الَّتِي لا أجْلى مِنها ولا أوْسَعَ، وسَلَكُوا طَرِيقَ النّارِ الَّتِي لا أضْيَقَ مِنهُ ولا أوْعَرَ، وعَمُوا عَنْ أنَّ إنْزالَ القُرْآنِ نُجُومًا أوْلى لِما تَقَدَّمَ مِنَ اللَّطائِفِ وغَيْرِها مِمّا لا يُحِيطُ بِهِ إلّا اللَّهُ تَعالى،“ وسَبِيلًا "تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنِ الفاعِلِ أصْلُهُ: ضَلَّ سَبِيلُهُمْ، وإسْنادُ الضَّلالِ إلَيْهِ مِنَ الإسْنادِ المَجازِيِّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب