الباحث القرآني

ولَمّا كانَتْ عادَتُهم تَجْوِيزَ المُمْكِنِ مِن كُلِّ ما يَحْذَرُونَ مِنهُ مِنَ الخَلْقِ، اقْتَضى الحالُ سُؤالَهُمْ: هَلْ أعَدُّوا لِما هَدَّدُوا بِهِ مِنَ الخالِقِ عُدَّةً أمْ لا؟ في سِياقِ الِاسْتِفْهامِ عَنِ المُفاضَلَةِ بَيْنَهُ وبَيْنَ ما وعَدَهُ المُتَّقُونَ، تَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ أعْلى رُتْبَةٍ مِنَ المُمْكِنِ فَإنَّهُ واقِعٌ لا مَحالَةَ، وتَهَكُّمًا بِهِمْ، فَقالَ تَعالى: ﴿قُلْ أذَلِكَ﴾ أيِ الأمْرُ العَظِيمُ الهَوْلِ الَّذِي أُوعِدْتُمُوهُ مِنَ السَّعِيرِ المَوْصُوفَةِ. ولَمّا كانَتْ عادَةُ العَرَبِ في بَيانِ فَضْلِ الشَّيْءِ دُونَ غَيْرِهِ الإتْيانَ بِصِيغَةِ أفْعَلَ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ سَلْبَ الخَيْرِ عَنْ مُقابِلِهِ لا يَخْفى عَلى أحَدٍ، أوْ يَكُونُ ذَلِكَ عَلى طَرِيقِ التَّنَزُّلِ وإرْخاءِ العِنانِ، تَنْبِيهًا لِلْعاقِلِ عَلى أنَّهُ يَكْفِيهِ في الرُّجُوعِ عَنِ الغَيِّ طُرُوقُ احْتِمالٍ لِكَوْنِ ما هو عَلَيْهِ مَفْضُولًا قالَ: ﴿خَيْرٌ أمْ جَنَّةُ الخُلْدِ﴾ أيِ الإقامَةُ الدّائِمَةُ ﴿الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ﴾ أيْ وقَعَ الوَعْدُ الصّادِقُ المُحَتَّمُ بِها، مِمَّنْ وعَدَهُ هو الوَعْدُ، لِلَّذِينَ (p-٣٥٦)خافُوا فَصَدَّقُوا بِالسّاعَةِ جاعِلِينَ بَيْنَهم وبَيْنَ أهْوالِها وِقايَةً مِمّا أمَرَتْهم بِهِ الرُّسُلُ؛ ثُمَّ حَقَّقَ تَعالى أمْرَها تَأْكِيدًا لِلْبِشارَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿كانَتْ﴾ أيْ تَكَوَّنَتْ ووُجِدَتْ بِإيجادِهِ سُبْحانَهُ ﴿لَهم جَزاءً﴾ عَلى تَصْدِيقِهِمْ وأعْمالِهِمْ ﴿ومَصِيرًا﴾ أيْ مُسْتَقَرًّا ومُنْتَهًى، وذَلِكَ مَدْحٌ لِجَزائِهِمْ لِأنَّهُ إذا كانَ في مَحَلٍّ واسِعٍ طَيِّبٍ كانَ أهْنَأ لَهُ وألَذَّ كَما أنَّ العِقابَ إذا كانَ في مَوْضِعٍ ضَيِّقٍ شَنِيعٍ كانَ أنَكى وأوْجَعَ، وهو اسْتِفْهامُ تَقْرِيعٍ وتَوْبِيخٍ لِمَن كانَ يَعْقِلُ فَيُجَوِّزُ المُمْكَناتِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب