الباحث القرآني
ولَمّا كانَ سُبْحانَهُ قَدْ نَفى عَنْهُمُ الإيمانَ بِالتَّوَلِّي عَنِ الأحْكامِ، وتَلاهُ بِما رَأيْتَ أنْ تَنْظِمَهُ أحْسَنَ نِظامٍ، حَتّى خَتَمَ بِما أوْمَأ إلى أنَّ مِن عَمِيَ عَنْ أحْكامِهِ بَعْدَ هَذا البَيانِ مَسْلُوبُ العَقْلِ، وكَرَّرَ في هَذِهِ السُّورَةِ ذِكْرَ البَيانِ، تَكْرِيرًا أشارَ إلى لَمَعانِ المَعانِي بِأمْتَنِ بَنانٍ حَتّى صارَتْ مُشْخَصاتٍ لِلْعِيانِ، وبَيَّنَ مَن حازَ وصْفَ الإيمانِ، بِحُسْنِ الِاسْتِئْذانِ، وكانَ أمْرُ الرَّسُولِ ﷺ أجَلَّ مَوْطِنٍ تَجِبُ الإقامَةُ فِيهِ ويُهْجَرُ ما عَداهُ مِنَ الأوْطانِ، فَتَصِيرُ الأرْضُ بِرُحْبِها ضَيِّقَةً لِأجْلِهِ، مَحْظُورًا سُلُوكُها مِن جَرّاهُ، بِمَنزِلَةِ بَيْتِ الغَيْرِ الَّذِي لا يَحِلُّ دُخُولُهُ بِغَيْرِ إذْنٍ، قالَ مُعَرِّفًا بِذَلِكَ عَلى طَرِيقِ الحَصْرِ مُقابِلًا لِسَلْبِ ﴿وما أُولَئِكَ بِالمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ٤٧] مُبَيِّنًا عَظِيمَ الجِنايَةِ في الذَّهابِ عَنْ مَجْلِسِ النَّبِيِّ ﷺ المُقْتَضِي لِلْجَمْعِ مِن غَيْرِ إذْنٍ: ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ﴾ أيِ الكامِلُونَ الَّذِينَ لَهُمُ الفَلاحُ (p-٣٢٢)﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ﴾ أيِ المَلِكِ الأعْلى ﴿ورَسُولِهِ﴾ ظاهِرًا وباطِنًا.
ولَمّا كانَ الكَلامُ في الرّاسِخِينَ، كانَ المَوْضِعُ لِأداةِ التَّحْقِيقِ فَقالَ: ﴿وإذا﴾ أيْ وصَدَقُوا إيمانَهم بِأنَّهم إذا ﴿كانُوا مَعَهُ﴾ أيِ الرَّسُولِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿عَلى أمْرٍ جامِعٍ﴾ أيْ لَهم عَلى اللَّهِ، كالجِهادِ لِأعْداءِ اللَّهِ، والتَّشاوُرِ في مُهِمٍّ، وصَلاةِ الجُمْعَةِ، ونَحْوِ ذَلِكَ ﴿لَمْ يَذْهَبُوا﴾ عَنْ ذَلِكَ الأمْرِ خُطْوَةً إلى مَوْضِعٍ مِنَ الأرْضِ ولَوْ أنَّهُ بُيُوتَهُمْ، لِشَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ ولَوْ أنَّهُ أهَمُّ مُهِمّاتِهِمْ، لِأنَّهُ أخَذَ عَلَيْهِمُ المِيثاقَ بِالطّاعَةِ في العُسْرِ واليُسْرِ والمَنشَطِ والمَكْرَهِ ﴿حَتّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾ فَيَأْذَنَ لَهُمْ، لِأنَّ المَأْمُورَ بِهِ قَدْ صارَ مَنزِلَهم ومَأْواهم ومُتَبَوَّأهُمْ، وصارَ كُلُّ ما سِواهُ مِنَ الأماكِنِ والأُمُورِ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ دُونَهُمْ، لا حَظَّ لَهم فِيهِ، فَلا يَحِلُّ لَهم أنْ يَدْخُلُوهُ حِسًّا أوْ مَعْنًى إلّا بِإذْنِهِ، وهَذا مِن عَظِيمِ التَّنْبِيهِ عَلى عَلِيِّ أمْرِهِ، وشَرِيفِ قَدْرِهِ، وذَلِكَ أنَّهُ سُبْحانَهُ كَما أمَرَهم بِالِاسْتِئْذانِ عِنْدَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ وعَلى غَيْرِهِ، أفْرَدَهُ بِأمْرِهِمْ بِاسْتِئْذانِهِ عِنْدَ الِانْصِرافِ عَنْهُ ﷺ، وجَعَلَ رُتْبَةَ ذَلِكَ تالِيَةً لِرُتْبَةِ الإيمانِ بِاللَّهِ والرَّسُولِ، وجَعَلَهُما كالتَّسْبِيبِ لَهُ مَعَ تَصْدِيرِ الجُمْلَةِ بِأداةِ الحَصْرِ، وإيقاعِ المُؤْمِنِينَ في مُبْتَدَأٍ مُخْبِرًا عَنْهُ بِمَوْصُولٍ أحاطَتْ وُصْلَتُهُ بِالرُّتَبِ الثَّلاثِ شَرْحًا لَهُ.
(p-٣٢٣)ولَمّا نَفى عَنِ المُؤْمِنِينَ الذَّهابَ إلى غايَةِ الِاسْتِئْذانِ، فَأفْهَمَ أنَّ المُسْتَأْذِنَ مُؤْمِنٌ، صَرَّحَ بِهَذا المَفْهُومِ لِيَكُونَ آكَدَ، فَقالَ تَشْدِيدًا في الإخْلالِ بِالأدَبِ بَيْنَ يَدَيْهِ ﷺ، وتَأْكِيدًا لِحِفْظِ حُرْمَتِهِ والأدَبِ مَعَهُ لِئَلّا يَتَشَوَّشَ فِكْرُهُ في أُسْلُوبٍ آخَرَ، وبَيانًا لِأنَّ الِاسْتِئْذانَ مِصْداقُ الإيمانِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ﴾ أيْ يَطْلُبُونَ إذْنَكَ لَهم إذا أرادُوا الِانْصِرافَ، في شَيْءٍ مِن أُمُورِهِمُ الَّتِي يُحْتَمَلُ أنْ تَمْنَعَ مِنها ﴿أُولَئِكَ﴾ العالُو الرُّتْبَةِ خاصَّةً ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ﴾ أيْ يُوجِدُونَ الإيمانَ في كُلِّ وقْتٍ ﴿بِاللَّهِ﴾ الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ فَلا كُفُؤَ لَهُ ﴿ورَسُولِهِ﴾ وذَلِكَ ناظِمٌ لِأشْتاتِ خِصالِ الإيمانِ.
ولَمّا قَصَرَهم عَلى الِاسْتِئْذانِ،تَسَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ إعْلامُهُ ﷺ بِما يَفْعَلُ إذْ ذاكَ فَقالَ: ﴿فَإذا اسْتَأْذَنُوكَ﴾ أيْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ صَحَّتْ دَعْواهُمْ؛ وشَدَّدَ عَلَيْهِمْ تَأْكِيدًا لِتَعْظِيمِ الأدَبِ مَعَهُ ﷺ بِقَوْلِهِ: ﴿لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ﴾ وهو ما تَشْتَدُّ الحاجَةُ إلَيْهِ ﴿فَأْذَنْ لِمَن شِئْتَ مِنهُمْ﴾ قِيلَ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذا صَعِدَ المِنبَرَ يَوْمَ الجُمْعَةِ فَمَن أرادَ أنْ يَخْرُجَ لِعُذْرٍ قامَ بِحِيالِهِ فَيَعْرِفُ أنَّهُ يَسْتَأْذِنُ فَيَأْذَنُ لِمَن شاءَ»، قالَ مُجاهِدٌ: وإذْنُ الإمامِ يَوْمَ الجُمْعَةِ أنْ يُشِيرَ بِيَدِهِ، وقِيلَ: كَذَلِكَ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ النّاسُ مَعَ أئِمَّتِهِمْ ومُقَدِّمِيهِمْ (p-٣٢٤)فِي الدِّينِ والعِلْمِ لا يَخْذُلُونَهم في نازِلَةٍ مِنَ النَّوازِلِ.
ولَمّا أثْبَتَ لَهُ بِهَذا التَّفْوِيضِ مِنَ الشَّرَفِ ما لا يَبْلُغُ وصْفَهُ، أفْهَمَهم أنَّ حالَ المُسْتَأْذِنِ قاصِرَةٌ عَنْ حال المُفَوِّضِ المُلازِمِ كَيْفَما كانَتْ، فَقالَ: ﴿واسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الغِنى المُطْلَقُ، فَلا تَنْفَعُهُ طاعَةٌ، ولا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةٌ، أوْ يَكُونُ الكَلامُ شامِلًا لِمَن صَحَّتْ دَعْواهُ وغَيْرِهِ؛ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ تَرْغِيبًا في الِاسْتِغْفارِ، وتَطْيِيبًا لِقُلُوبِ أهْلِ الأوْزارِ، بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ صِفاتُ الكَمالِ ﴿غَفُورٌ﴾ أيْ لَهُ هَذا الوَصْفَ فَهو جَدِيرٌ بِأنْ يَغْفِرَ لَهم ما قَصَّرُوا فِيهِ ﴿رَحِيمٌ﴾ أيْ فَكُلُّ ما أمَرَهم بِهِ فَهو خَيْرٌ لَهم وإنْ تَراءى لَهم خِلافُهُ.
{"ayah":"إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَإِذَا كَانُوا۟ مَعَهُۥ عَلَىٰۤ أَمۡرࣲ جَامِعࣲ لَّمۡ یَذۡهَبُوا۟ حَتَّىٰ یَسۡتَـٔۡذِنُوهُۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَسۡتَـٔۡذِنُونَكَ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ فَإِذَا ٱسۡتَـٔۡذَنُوكَ لِبَعۡضِ شَأۡنِهِمۡ فَأۡذَن لِّمَن شِئۡتَ مِنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمُ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق