الباحث القرآني
ولَمّا كانَ المَلَلُ مِن شِيَمِ النُّفُوسِ، فَكانَ تَدْرِيجُ الكَلامِ في المَقاصِدِ لا سِيَّما الأحْكامُ شَيْئًا فَشَيْئًا خِلالَ مَقاصِدَ أُخْرى أوْقَعَ في القَلْبِ، وأشْهى إلى الطَّبْعِ، لا سِيَّما إذا كانَ عَلى وُجُوهٍ مِنَ المُناسَباتِ عَجِيبَةٍ، وضُرُوبٍ مِنَ الِاتِّصالاتِ هي مَعَ دِقَّتِها غَرِيبَةٌ، زَيَّنَ اللَّهُ تَأْصِيلَها بِتَفْصِيلِها فابْتَدَأ السُّورَةَ بِطائِفَةٍ مِنها، وفَصَلَها بَدُرِّ الوَعْظِ، وجَواهِرِ الحِكَمِ، (p-٣٠٩)والحَثِّ عَلى مَعالِي الأخْلاقِ، ومَكارِمِ الأعْمالِ، ثُمَّ وصَلَها بِالإلَهِيّاتِ الَّتِي هي أُصُولُها، وعَنْ عَلِيِّ مَقاماتِها تَفَرَّعَتْ فُصُولُها، فَلَمّا خَتَمَها بِالتَّمْكِينِ لِأهْلِ هَذا الدِّينِ، وتَوْهِينِ أمْرِ المُعْتَدِينَ، شَرَعَ في إكْمالِها، بِإثْباتِ بَقِيَّةِ أحْوالِها، تَأْكِيدًا لِما حَكَمَ بِهِ مِنَ التَّمْكِينِ، وما خَتَمَهُ مِن ذَلِكَ مِنَ التَّوْهِينِ، وتَحْذِيرًا مِمّا خَتَمَهُ مِنَ العَذابِ المُهِينِ، وتَحْقِيقًا لِما أُلْزِمَ بِهِ مِنَ الطّاعَةِ، ولُزُومِ السُّنَّةِ والجَماعَةِ، فَقالَ واصِلًا بِما خَتَمَ بِهِ الأحْكامَ الأوْلى، مِنَ الأمْرِ بِإنْكاحِ الأيامى، والكَفِّ عَنْ إكْراهِ البَغايا، إثْرَ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ، إمّا لِلتَّغْلِيبِ، وإمّا لِأنَّ النِّساءَ أوْلى بِحِفْظِ العَوْرَةِ ﴿لِيَسْتَأْذِنْكُمُ﴾ تَصْدِيقًا لِدَعْوى الإيمانِ ﴿الَّذِينَ مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ﴾ مِنَ العَبِيدِ والإماءِ البالِغِينَ، ومَن قارَبَهُمْ، لِلدُّخُولِ عَلَيْكم كَراهَةَ الِاطِّلاعِ عَلى عَوْراتِكم والتَّطَرُّقِ بِذَلِكَ إلى مَساءَتِكم ﴿والَّذِينَ﴾ ظَهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ، ولَكِنَّهم ﴿لَمْ يَبْلُغُوا الحُلُمَ﴾ وقَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنكُمْ﴾ لِيَخْرُجَ الأرِقّاءُ والكُفّارُ ﴿ثَلاثَ مَرّاتٍ﴾ في كُلِّ دَوْرٍ، ويُمْكِنُ أنْ يُرادَ: ثَلاثُ اسْتِئْذاناتٍ في كُلِّ مَرَّةٍ، فَإنْ لَمْ يَحْصُلِ الإذْنُ رَجَعَ المُسْتَأْذِنُ كَما تَقَدَّمَ: المَرَّةُ الأُولى مِنَ الأوْقاتِ (p-٣١٠)الثَّلاثِ ﴿مِن قَبْلِ صَلاةِ الفَجْرِ﴾ لِأنَّهُ وقْتُ القِيامِ مِنَ المَضاجِعِ وطَرْحِ ثِيابِ النَّوْمِ والثّانِيَةُ ﴿وحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ﴾ أيِ الَّتِي لِلْخُرُوجِ بَيْنَ النّاسِ ﴿مِنَ الظَّهِيرَةِ﴾ لِلْقائِلَةِ والثّالِثَةُ ﴿ومِن بَعْدِ صَلاةِ العِشاءِ﴾ لِأنَّهُ وقْتُ الِانْفِصالِ مِن ثِيابِ اليَقَظَةِ، والِاتِّصالُ بِثِيابِ النَّوْمِ، وخَصَّ هَذِهِ الأوْقاتِ لِأنَّها ساعاتُ الخَلْوَةِ، ووَضْعِ الثِّيابِ، وأثْبَتَ مِن في المَوْضِعَيْنِ دَلالَةً عَلى قُرْبِ الزَّمَنِ مِنَ الوَقْتِ المَذْكُورِ لِضَبْطِهِ، وأسْقَطَها في الأوْسَطِ دَلالَةً عَلى اسْتِغْراقِهِ لِأنَّهُ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ، ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿ثَلاثُ عَوْراتٍ﴾ أيِ اخْتِلالاتٍ في التَّسَتُّرِ والتَّحَفُّظِ، وأصْلُ العَوْرَةِ - كَما قالَ البَيْضاوِيُّ: الخَلَلُ.
لِأنَّهُ لَمّا كانَتِ العَوْرَةُ تَبْدُو فِيها سُمِّيَتْ بِها ﴿لَكُمْ﴾ لِأنَّها ساعاتُ وضْعِ الثِّيابِ والخَلْوَةِ بِالأهْلِ، وبَيَّنَ حُكْمَ ما عَدا ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مُسْتَأْنِفًا: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ﴾ أيْ في تَرْكِ الأمْرِ ﴿ولا عَلَيْهِمْ﴾ يَعْنِي العَبِيدَ والخَدَمَ والصِّبْيانَ، في تَرْكِ الِاسْتِئْذانِ ﴿جُناحٌ﴾ أيْ إثْمٌ، وأصْلُهُ المَيْلُ ﴿بَعْدَهُنَّ﴾ أيْ في جَمِيعِ ما سِوى هَذِهِ الأوْقاتِ إذا هَجَمُوا عَلَيْكُمْ؛ ثُمَّ عَلَّلَ الإباحَةَ في غَيْرِها، (p-٣١١)مُخْرِجًا لِغَيْرِهِمْ، مُبَيِّنًا أنَّ حِكْمَةَ الِاسْتِئْذانِ في كُلِّ وقْتٍ كَما مَضى بِقَوْلِهِ: ﴿طَوّافُونَ عَلَيْكُمْ﴾ أيْ لِعَمَلٍ ما تَحْتاجُونَهُ في الخِدْمَةِ كَما أنْتُمْ طَوّافُونَ عَلَيْهِمْ لِعَمَلِ ما يُصْلِحُهم ويُصْلِحُكم في الِاسْتِخْدامِ ﴿بَعْضُكُمْ﴾ طَوّافٌ ﴿عَلى بَعْضٍ﴾ لِعَمَلِ ما يَعْجِزُ عَنْهُ الآخَرُ أوْ يَشُقُّ عَلَيْهِ فَلَوْ عَمَّ الأمْرَ بِالِاسْتِئْذانِ لَأدّى إلى الحَرَجِ.
ولَمّا أعْلى سُبْحانَهُ البَيانَ في هَذِهِ الآياتِ إلى حَدٍّ يُعْجِزُ الإنْسانَ لا سِيَّما وهي في الأحْكامِ، والكَلامُ فِيها يُعْيِي أهْلَ البَيانِ، وكانَ السّامِعُ لِما جُبِلَ عَلَيْهِ مِنَ النِّسْيانِ، يَذْهَلُ عَنْ أنَّ هَذا هو الشَّأْنُ في جَمِيعِ القُرْآنِ، قالَ مُشِيرًا إلى عِظَمِ شَأْنِها، في تَفْرِيقِها وبَيانِها: ﴿كَذَلِكَ﴾ أيْ مِثْلَ هَذا البَيانِ ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ﴾ بِما لَهُ مِن إحاطَةِ العِلْمِ والقُدْرَةِ ﴿لَكُمْ﴾ أيَّتُها الأُمَّةُ الخاصَّةُ ﴿الآياتِ﴾ في الأحْكامِ وغَيْرِها وبِعِلْمِهِ وحِكْمَتِهِ ﴿واللَّهُ﴾ الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ العامَّةُ بِكُلِّ شَيْءٍ ﴿عَلِيمٌ﴾ بِكُلِّ شَيْءٍ ﴿حَكِيمٌ﴾ يُتْقِنُ ما يُرِيدُهُ، فَلا يَقْدِرُ أحَدٌ عَلى نَقْضِهِ، وخَتْمُ الآيَةِ بِهَذا الوَصْفِ يَدُلُّ عَلى أنَّها مُحْكَمَةٌ لَمْ تُنْسَخْ كَما قالَ الشَّعْبِيُّ وغَيْرُهُ - أفادَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وحُكِيَ مِثْلُهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لِیَسۡتَـٔۡذِنكُمُ ٱلَّذِینَ مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡ وَٱلَّذِینَ لَمۡ یَبۡلُغُوا۟ ٱلۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَـٰثَ مَرَّ ٰتࣲۚ مِّن قَبۡلِ صَلَوٰةِ ٱلۡفَجۡرِ وَحِینَ تَضَعُونَ ثِیَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِیرَةِ وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ ٱلۡعِشَاۤءِۚ ثَلَـٰثُ عَوۡرَ ٰتࣲ لَّكُمۡۚ لَیۡسَ عَلَیۡكُمۡ وَلَا عَلَیۡهِمۡ جُنَاحُۢ بَعۡدَهُنَّۚ طَوَّ ٰفُونَ عَلَیۡكُم بَعۡضُكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲۚ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











