الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ أوَّلًا أحْوالَ الخافِقَيْنِ دَلِيلًا عَلى وحْدانِيَّتِهِ، وفَصَلَ مِنها الآثارَ العُلْوِيَّةَ، فَذَكَرَ ما يَسْقِي الأرْضَ، وطَوى ذِكْرَ ما يَنْشَأُ عَنْهُ مِنَ النَّباتِ لِلْعِلْمِ بِهِ، ذَكَرَ أحْوالَ ما يَتَكَوَّنُ بِهِ مِنَ الحَيَواناتِ دَلِيلًا ظاهِرًا عَلى الإعادَةِ، وبُرْهانًا قاهِرًا عَلى المُنْكِرِينَ لَها فَقالَ: ﴿واللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ العِلْمُ الكامِلُ والقُدْرَةُ الشّامِلَةُ ﴿خَلَقَ كُلَّ دابَّةٍ﴾ أيْ مِمّا تَقَدَّمَ أنَّهُ يُسَبِّحُ لَهُ. ولَمّا ذَكَرَ أنْواعًا مِنَ الحَيَوانِ، نَكَّرَ بِخِلافِ ما في الأنْبِياءِ فَقالَ: ﴿مِن ماءٍ﴾ أيْ دافِقٍ هو أعْظَمُ أجْزاءِ مادَّتِهِ كَما خَلَقَ النَّباتَ مِن ماءٍ ”هامِرٍ“ كَذَلِكَ، وفاوَتَ بَيْنَهُ مَعَ كَوْنِ الكُلِّ مِنَ الماءِ الهامِرِ (p-٢٩٤)الَّذِي لا تَفاوُتَ فِيهِ ﴿فَمِنهُمْ﴾ أيِ الدَّوابِّ. ولَمّا كانَ في سِياقِ التَّعْظِيمِ، وكانَ قَدْ آتى كُلَّ نَفْسٍ مِنَ الإدْراكِ ما تَعْرِفُ بِهِ مَنافِعَها ومَضارَّها، عَبَّرَ عَنِ الكُلِّ بِأداةِ مَن يَعْقِلُ وإنْ كانُوا مُتَفاوِتِينَ في التَّمْيِيزِ فَقالَ: ﴿مَن يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ﴾ أيْ مِن غَيْرِ رِجْلٍ؛ وقَدَّمَ هَذا لِكَوْنِهِ أدَلَّ عَلى القُدْرَةِ، وسَمّاهُ مَشْيًا اسْتِعارَةً ومُشاكَلَةً ﴿ومِنهم مَن يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ﴾ أيْ لَيْسَ غَيْرُ ﴿ومِنهم مَن يَمْشِي عَلى أرْبَعٍ﴾ أيْ مِنَ الأيْدِي والأرْجُلِ، وفي هَذا تَنْبِيهٌ عَلى مَن يَمْشِي عَلى أكْثَرَ مِن ذَلِكَ، وإلَيْهِ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَخْلُقُ اللَّهُ﴾ وعَبَّرَ بِاسْمِ الجَلالَةِ إعْلامًا بِتَناهِي العَظَمَةِ؛ وقالَ: ﴿ما يَشاءُ﴾ دَلالَةً عَلى أنَّهُ فَعَلَهُ بِقُدْرَتِهِ واخْتِيارِهِ، لا مَدْخَلَ لِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ فِيهِ إلّا بِتَقْدِيرِ العَزِيزِ العَلِيمِ. ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الأدِلَّةُ ناظِرَةً إلى البَعْثِ أتَمَّ نَظَرٍ، وكانُوا مُنْكِرِينَ لَهُ، أكَّدَ قَوْلَهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ أيِ الَّذِي الكَمالُ المُطْلَقُ ﴿عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ مِن ذَلِكَ وغَيْرِهِ ﴿قَدِيرٌ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب