الباحث القرآني

ولَمّا أخْبَرَ تَعالى أنَّ الَّذِينَ اتَّبَعُوا نُورَ الحَقِّ سُبْحانَهُ، وصَلُوا - مِن جَزائِهِ بِسَبَبِ ما هَداهم إلَيْهِ النُّورُ مِنَ الأعْمالِ الصّالِحَةِ - إلى حَقائِقَ هي في نَفْسِ الأمْرِ الحَقائِقُ، أخْبَرَ عَنْ أضْدادِهِمُ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الباطِلَ فَحالَتْ (p-٢٨٣)جِبالُهُ الوَعِرَةُ الشّامِخَةُ بَيْنَ أبْصارِ بَصائِرِهِمْ وبَيْنَ تِلْكَ الأنْوارِ بِضِدِّ حالِهِمْ فَقالَ: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ سَتَرُوا بِما لَزِمُوهُ مِنَ الضَّلالِ ما انْتَشَرَ مِن نُورِ اللَّهِ ﴿أعْمالُهُمْ﴾ كائِنَةً في يَوْمِ الجَزاءِ ﴿كَسَرابٍ﴾ وهو ما تَراهُ نِصْفَ النَّهارِ في البَرارِي لاصِقًا بِالأرْضِ يَلْمَعُ كَأنَّهُ ماءٌ، وكُلَّما قَرُبْتَ مِنهُ بَعُدَ حَتّى تَصِلَ إلى جَبَلٍ ونَحْوِهِ فَيَخْفى؛ قالَ الرّازِي في اللَّوامِعِ: والسَّرابُ شُعاعٌ يَنْكَشِفُ فَيَنْسَرِبُ ويَجْرِي كالماءِ تَخَيُّلًا؛ وقالَ ابْنُ كَثِيرٍ: يُرى عَنْ بُعْدٍ كَأنَّهُ بَحْرٌ طامٌّ، وإنَّما يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ نِصْفِ النَّهارِ، وأمّا الآلُ فَإنَّما يَكُونُ أوَّلَ النَّهارِ، يُرى كَأنَّهُ ماءٌ بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ - انْتَهى. وقالَ البَغَوِيُّ: والآلُ ما ارْتَفَعَ عَنِ الأرْضِ، وهو شُعاعٌ يُرى بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ بِالغَدَواتِ شِبْهَ المُلاءَةِ، يُرْفَعُ فِيهِ الشُّخُوصُ، يُرى فِيهِ الصَّغِيرُ كَبِيرًا، والقَصِيرُ طَوِيلًا، والرَّقْراقُ يَكُونُ بِالعَشايا، وهو ما تَرَقْرَقَ مِنَ السَّرابِ، أيْ جاءَ وذَهَبَ. ﴿بِقِيعَةٍ﴾ جَمْعُ قاعٍ، وهو أرْضٌ سَهْلَةٌ مُطْمَئِنَّةٌ قَدِ انْفَرَجَتْ (p-٢٨٤)عَنْها الجِبالُ والآكامُ - قالَهُ في القامُوسِ. وقالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ القَزّازُ في دِيوانِهِ: القِيعَةُ والقاعُ واحِدٌ، وهُما الأرْضُ المُسْتَوِيَةُ المَلْساءُ يُحْفَنُ فِيها التُّرابُ، الفَرّاءُ: القِيعَةُ جَمْعُ قاعٍ كَجارٍ وجِيرَةٍ. وقالَ الصَّغانِيُّ في مَجْمَعِ البَحْرَيْنِ: والقاعُ: المُسْتَوِي مِنَ الأرْضِ، والجَمْعُ أقْواعٌ وأقْوُعٌ وقِيعانٌ، صارَتِ الواوُ ياءً لِكَسْرَةِ ما قَبْلَها، والقِيعَةُ مِثْلُ قاعٍ، وهو أيْضًا مِنَ الواوِ، وبَعْضُهم يَقُولُ: هو جَمْعٌ؛ وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: والقاعُ ما انْبَسَطَ مِنَ الأرْضِ واتَّسَعَ، وفِيهِ يَكُونُ السَّرابُ. وقالَ عَبْدُ الغافِرِ الفارِسِيُّ في مَجْمَعِ الغَرائِبِ: قالَ الفَرّاءُ: القاعُ: مُسْتَنْقَعُ الماءِ، والقاعُ: المَكانُ المُسْتَوِي الواسِعُ في وطْأةٍ مِنَ الأرْضِ يَعْلُوهُ المَطَرُ فَيُمْسِكُهُ ويَسْتَوِي نَباتُهُ، وجَمْعُهُ قِيعَةٌ وقِيعانٌ. ﴿يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ﴾ أيِ العَطْشانُ الشَّدِيدُ العَطَشِ مِن ضَعْفِ العَقْلِ ﴿ماءً﴾ فَيَقْصِدُهُ ولا يَزالُ سائِرًا ﴿حَتّى إذا جاءَهُ﴾ أيْ جاءَ المَوْضِعَ الَّذِي تَوَهَّمَهُ بِهِ ﴿لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ مِنَ الأشْياءِ، فَلَمْ يُفِدْهُ قَصْدُهُ غَيْرَ زِيادَةِ العَطَشِ بِزِيادَةِ التَّعَبِ، وبُعْدِهِ عَنْ مَواطِنِ الرَّجاءِ، فَيَشْتَدُّ بَأْسُهُ، وتَنْقَطِعُ حِيَلُهُ فَيَهْلَكُ، (p-٢٨٥)وهَكَذا الكافِرُ يَظُنُّ أعْمالَهُ تُجْدِيهِ شَيْئًا فَإذا هي قَدْ أهْلَكَتْهُ. ولَمّا كانَ اللَّهُ مُحِيطًا بِعِلْمِهِ وقُدْرَتِهِ بِكُلِّ مَكانٍ قالَ: ﴿ووَجَدَ اللَّهَ﴾ أيْ قُدْرَةَ المُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ ﴿عِنْدَهُ﴾ أيْ عِنْدَ ذَلِكَ المَوْضِعِ الَّذِي قَصَدَهُ لَمّا تَخَيَّلَ فِيهِ الخَيْرَ فَخابَ ظَنُّهُ ﴿فَوَفّاهُ حِسابَهُ﴾ أيْ جَزاءَ عَمَلِهِ عَلى ما تَقْتَضِيهِ أعْمالُهُ عَلى حُكْمِ العَدْلِ، فَلَمْ يَكْفِ هَذا الجاهِلُ خَيْبَةً وكَمَدًا أنَّهُ لَمْ يَجِدْ ما قَصَدَهُ شَيْئًا كَغَيْرِهِ مِنَ السَّرابِ حَتّى وجَدَ عِنْدَهُ الزَّبانِيَةَ تَعْتِلُهُ إلى نارٍ، لا يُفَكُّ أسِيرُها، ولا يُخْمَدُ سَعِيرُها. ولَمّا كانَ سُبْحانَهُ لا يَحْتاجُ إلى كاتِبٍ، ولا يَدْخُلُ عَلَيْهِ لَبْسٌ، ولا يَصْعُبُ عَلَيْهِ ضَبْطُ شَيْءٍ وإنْ كَثُرَ، ولا يَقْدِرُ أحَدٌ أنْ يَتَأخَّرَ عَمّا يُرِيدُهُ بِهِ بِنَوْعِ حِيلَةٍ، عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ القُدْرَةُ الكامِلَةُ والعِلْمُ الشّامِلُ ﴿سَرِيعُ الحِسابِ﴾ أيْ لِأنَّهُ لا يَحْتاجُ إلى حِفْظٍ بِقَلْبٍ، ولا عَقْدٍ بِأصابِعَ، ولا شَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ، ولَكِنَّهُ عالِمٌ بِذَلِكَ كُلِّهِ قَبْلَ أنْ يَعْمَلَهُ العَبْدُ وبَعْدَ عَمَلِهِ لَهُ، لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِنهُ ولا مِن غَيْرِهِ شَيْءٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب