الباحث القرآني
﴿ولا يَأْتَلِ﴾ أيْ يَحْلِفُ مُبالِغًا في اليَمِينِ ﴿أُولُو الفَضْلِ مِنكُمْ﴾ الَّذِينَ جَعَلْتُهم بِما آتَيْتُهم مِنَ العِلْمِ والأخْلاقِ الصّالِحَةِ أهْلًا لِبِرِّ غَيْرِهِمْ ﴿والسَّعَةِ﴾ أيْ بِما أوْسَعْتُ عَلَيْهِمْ في دُنْياهم.
ولَمّا كانَ السِّياقُ والسِّباقُ واللَّحاقُ مُوَضِّحًا لِلْمُرادِ، لَمْ يَحْتَجْ إلى ذِكْرِ أداةِ النَّفْيِ فَقالَ: ﴿أنْ يُؤْتُوا﴾ ثُمَّ ذَكَرَ الصِّفاتِ المُقْتَضِيَةَ لِلْإحْسانِ فَقالَ: ﴿أُولِي القُرْبى﴾ وعَدَّدَها بِأداةِ العَطْفِ تَكْثِيرًا لَها وتَعْظِيمًا لِأمْرِها، وإشارَةً إلى أنَّ صِفَةً مِنها كافِيَةٌ في الإحْسانِ، فَكَيْفَ إذا اجْتَمَعَتْ! فَقالَ سُبْحانَهُ: ﴿والمَساكِينَ﴾ أيِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُغْنِيهِمْ وإنْ لَمْ تَكُنْ لَهم قَرابَةٌ ﴿والمُهاجِرِينَ﴾ لِأهْلِهِمْ ودِيارِهِمْ وأمْوالِهِمْ ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أيِ الَّذِي عَمَّ الخَلائِقَ بِجُودِهِ لِما لَهُ مِنَ الإحاطَةِ بِالجَلالِ والإكْرامِ وإنِ انْتَفى عَنْهُمُ الوَصْفانِ الأوَّلانِ، فَإنَّ هَذِهِ الصِّفاتِ مُؤْذِنَةٌ بِأنَّهم مِمَّنْ زَكّى اللَّهُ، وتَعْدادُها بِجَعْلِها عِلَّةً لِلْعَفْوِ - دَلِيلٌ عَلى أنَّ الزّاكِيَ مِن غَيْرِ المَعْصُومِينَ قَدْ يَزِلُّ، فَتُدْرِكُهُ الزَّكاةُ بِالتَّوْبَةِ فَيَرْجِعُ كَما كانَ، وقَدْ تَكُونُ الثَّلاثَةُ لِمَوْصُوفٍ واحِدٍ لِأنَّ سَبَبَ نُزُولِها مِسْطَحٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فالعَطْفُ إذَنْ لِلتَّمَكُّنِ في كُلِّ وصْفٍ مِنها.
(p-٢٣٩)ولَمّا كانَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ غَيْرَ صَرِيحٍ في العَفْوِ، وكانَ التَّقْدِيرُ: فَلْيُؤْتُوهُمْ، عَطَفَ عَلَيْهِ مُصَرِّحًا بِالمَقْصُودِ قَوْلَهُ: ﴿ولْيَعْفُوا﴾ أيْ عَنْ زَلَلِهِمْ بِأنْ يَمْحُوهُ ويُغَطُّوهُ بِما يَسْلُبُونَهُ عَلَيْهِ مِن أسْتارِ الحِلْمِ حَتّى لا يَبْقى لَهُ أثَرٌ. ولَمّا كانَ المَحْوُ لا يَنْفِي التَّذَكُّرَ قالَ: ﴿ولْيَصْفَحُوا﴾ أيْ يُعْرِضُوا عَنْهُ أصْلًا ورَأْسًا، فَلا يُخْطِرُوهُ لَهم عَلى بالٍ لِيُثْمِرَ ذَلِكَ الإحْسانَ، ومِنهُ الصَّفُوحُ وهو الكَرِيمُ.
ولَمّا كانَتْ لَذَّةُ الخِطابِ تُنْسِي كُلَّ عِتابٍ، أقْبَلَ سُبْحانَهُ بِفَضْلِهِ ومَنِّهِ وطَوْلِهِ عَلى أُولِي الفَضْلِ، مُرَغِّبًا في أنْ يَفْعَلُوا بِغَيْرِهِمْ ما يُحِبُّونَ أنْ يَفْعَلَ بِهِمْ، مُرَهِّبًا مِن أنْ يُشَدِّدَ عَلَيْهِمْ إنْ شَدَّدُوا فَقالَ: ﴿ألا تُحِبُّونَ﴾ أيْ يا أُولِي الفَضْلِ ﴿أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ﴾ أيِ المَلِكُ الأعْظَمُ ﴿لَكُمْ﴾ أيْ ما قَصَّرْتُمْ في حَقِّهِ، وسَبَبُ نُزُولِها كَما في الصَّحِيحِ مِن حَدِيثِ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أنَّ أباها رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ كانَ حَلَفَ مِن بَعْدِ ما بَرَّأ اللَّهُ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أنْ لا يُنْفِقَ عَلى مِسْطَحٍ ابْنِ خالَتِهِ لِكَوْنِهِ خاضَ مِن أهْلِ الإفْكِ؛ وفي تَفْسِيرِ الأصْبِهانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: أقْسَمَ ناسٌ مِنَ الصَّحابَةِ فِيهِمْ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم أنْ لا يَتَصَدَّقُوا عَلى رَجُلٍ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنَ (p-٢٤٠)الإفْكِ ولا يَنْفَعُوهم فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ.
وناهِيكَ بِشَهادَةِ اللَّهِ جَلَّ جَلالُهُ لِلصِّدِّيقِ بِأنَّهُ مِن أُولِي الفَضْلِ فَيا لَهُ مِن شَرَفٍ ما أجْلاهُ! ومِن سُؤْدُدٍ وفَخارٍ ما أعْلاهُ! ولا سِيَّما وقَدْ صَدَّقَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالعَفْوِ عَمَّنْ شَنَّعَ عَلى ثَمَرَةِ فُؤادِهِ ومُهْجَةِ كَبِدِهِ، وهي الصِّدِّيقَةُ زَوْجَةُ خاتَمِ المُرْسَلِينَ، وخَيْرِ الخَلائِقِ أجْمَعِينَ، والحَلِفِ عَلى أنَّهُ لا يَقْطَعُ النَّفَقَةَ عَنْهُ أبَدًا، فَيا لَلَّهِ مِن أخْلاقٍ ما أبْهاها! وشَمائِلَ ما أطْهَرَها وأزْكاها! وأشْرَفَها وأسْناها.
ولَمّا كانَ الجَوابُ قَطْعًا كَما أجابَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بَلى واللَّهِ! إنّا لَنُحِبُّ أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَنا، وكانَ كَأنَّهُ قِيلَ: فاغْفِرُوا لِمَن أساءَ إلَيْكُمْ، فاللَّهُ حَكَمٌ عَدَلٌ، يُجازِيهِمْ عَلى إساءَتِهِمْ إلَيْكم إنْ شاءَ، واللَّهُ عَلِيمٌ شَكُورٌ، يَشْكُرُ لَكم ما صَنَعْتُمْ إلَيْهِمْ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿واللَّهُ﴾ أيْ مَعَ قُدْرَتِهِ الكامِلَةِ وعِلْمِهِ الشّامِلِ ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ مِن صِفَتِهِ ذَلِكَ، إنْ شاءَ يَغْفِرْ لَكم ذُنُوبَكم بِأنْ يَمْحُوَها فَلا يَدَعَ لَها أثَرًا ويَرْحَمْكم بَعْدَ مَحْوِها بِالفَضْلِ عَلَيْكم كَما فَعَلْتُمْ مَعَهُمْ، فَإنَّ الجَزاءَ مِن جِنْسِ العَمَلِ.
{"ayah":"وَلَا یَأۡتَلِ أُو۟لُوا۟ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن یُؤۡتُوۤا۟ أُو۟لِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینَ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ وَلۡیَعۡفُوا۟ وَلۡیَصۡفَحُوۤا۟ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن یَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











