الباحث القرآني

ولَمّا بَيَّنَ فُحْشَهُ وشَناعَتَهُ، وقُبْحَهُ وفَظاعَتَهُ، عَطَفَ عَلى التَّأْدِيبِ الأوَّلِ في قَوْلِهِ ﴿لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ [النور: ١٢] تَأْدِيبًا فَقالَ: ﴿ولَوْلا إذْ﴾ أيْ وهَلّا حِينَ ﴿سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ﴾ أيْ حِينَ السَّماعِ مِن غَيْرِ تَوَقُّفٍ ولا تَلَعْثُمٍ، وفَصَلَ بَيْنَ آلَةِ التَّحْضِيضِ والقَوْلِ المُحَضَّضِ عَلَيْهِ بِالظَّرْفِ لِأنَّ الظُّرُوفَ تُنْزِلُ مِنَ الشَّيْءِ مَنزِلَةَ نَفْسِهِ لِوُقُوعِهِ فِيها، وأنَّها لا انْفِكاكَ لَها (p-٢٣٢)عَنْهُ، ولِأنَّ ذِكْرَهُ مُنَبِّهٌ عَلى الِاهْتِمامِ بِهِ لِوُجُوبِ المُبادَرَةِ إلى المُحَضَّضِ عَلَيْهِ: ﴿ما يَكُونُ﴾ أيْ ما يَنْبَغِي وما يَصِحُّ ﴿لَنا أنْ نَتَكَلَّمَ﴾ حَقِيقَةً بِالنُّطْقِ ولا مَجازًا بِالسُّكُوتِ عَنِ الإنْكارِ ﴿بِهَذا﴾ أيْ بِمِثْلِهِ في حَقِّ أدْنى النّاسِ فَكَيْفَ بِمَنِ اخْتارَها العَلِيمُ الحَكِيمُ لِصُحْبَةِ أكْمَلِ الخَلْقِ، ثُمَّ دَلَلْتُمْ عَلى شِدَّةٍ نَفْرَتِكم مِنهُ بِأنْ وصَلْتُمْ بِهَذا النَّفْيِ قَوْلَكُمْ: ﴿سُبْحانَكَ﴾ تَعَجُّبًا مِن أنْ يَخْطُرَ بِالبالِ، في حالٍ مِنَ الأحْوالِ. ولَمّا كانَ تَنْزِيهُ اللَّهِ تَعالى في مِثْلِ ذَلِكَ وإنْ كانَ لِلتَّعَجُّبِ إشارَةً إلى تَنْزِيهِ المَقامِ الَّذِي وقَعَ فِيهِ التَّعَجُّبُ تَنْزِيهًا عَظِيمًا، حَسُنَ أنْ يُوصَلَ بِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعْلِيلًا لِلتَّعَجُّبِ والنَّفْيِ: ﴿هَذا بُهْتانٌ﴾ أيْ كَذِبٌ يَبْهَتُ مَن يُواجِهُ بِهِ، ويُحَيِّرُهُ لِشِدَّةِ ما يَفْعَلُ في القُوى الباطِنَةِ، لِأنَّهُ في غايَةِ الغَفْلَةِ عَنْهُ لِكَوْنِهِ أبْعَدَ النّاسِ مِنهُ؛ ثُمَّ هَوَّلَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿عَظِيمٌ﴾ والمُرادُ أنَّ الَّذِي يَنْبَغِي لِلْإنْسانِ أوَّلًا أنْ لا يَظُنَّ بِإخْوانِهِ المُؤْمِنِينَ ولا يَسْمَعُ فِيهِمْ إلّا خَيْرًا، فَإنْ غَلَبَهُ الشَّيْطانُ وارْتَسَمَ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ في ذِهْنِهِ فَلا يَتَكَلَّمُ بِهِ، ويُبادِرُ إلى تَكْذِيبِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب