الباحث القرآني

ولَمّا كانَ مِنَ المَعْلُومِ قَطْعًا أنَّ التَّقْدِيرَ: فاتَّقى الأنْبِياءُ اللَّهَ الَّذِي أرْسَلَهم وتَجَشَّمُوا حَمْلَ ما أرْسَلَهم بِهِ مِن عَظِيمِ الثِّقْلِ، فَدَعَوُا العِبادَ إلَيْهِ وأرادُوا جَمْعَهم عَلَيْهِ، عَطَفَ عَلَيْهِ بِفاءِ السَّبَبِ قَوْلَهُ مُعَبِّرًا بِفِعْلِ التَّقَطُّعِ لِأنَّهُ يُفِيدُ التَّفَرُّقَ: ﴿فَتَقَطَّعُوا﴾ أيِ الأُمَمُ، وإنَّما أضَمْرَهم لِوُضُوحِ إرادَتِهِمْ لِأنَّ الآيَةَ الَّتِي قَبِلَها قَدْ صَرَّحَتْ بِأنَّ الأنْبِياءَ ومَن نَجا مَعَهم أُمَّةٌ واحِدَةٌ لا اخْتِلافَ بَيْنَها، فَعَلِمَ قَطْعًا أنَّ الضَّمِيرَ لِلْأُمَمِ ومَن نَشَأ بَعْدَهُمْ، ولِذَلِكَ كانَ النَّظَرُ إلى الأمْرِ الَّذِي كانَ واحِدًا أهَمَّ، فَقَدَّمَ قَوْلَهُ: ﴿أمْرَهُمْ﴾ أيْ في الدِّينِ بَعْدَ أنْ كانَ مُجْتَمِعًا مُتَّصِلًا ﴿بَيْنَهُمْ﴾ فَكانُوا شِيَعًا، وهو مَعْنى ﴿زُبُرًا﴾ أيْ قِطَعًا، كُلُّ قِطْعَةٍ مِنها في غايَةِ القُوَّةِ والِاجْتِماعِ والثَّباتِ عَلى ما صارَتْ إلَيْهِ مِنَ الهَوى والضَّلالِ، بِكُلِّ شِيعَةٍ طَرِيقَةٌ في الضَّلالِ عَنِ الطَّرِيقِ الأُمَمِ، والمَقْصِدِ المُسْتَقِيمِ، (p-١٥٧)وكِتابٍ زَبْرُوهُ في أهَوِيَتِهِمْ ولَمْ يَرْحَمُوا أنْفُسَهم بِما دَعَتْهم إلَيْهِ الهُداةَ مِنَ الِاجْتِماعِ والأُلْفَةِ فَأهْلَكُوها بِالبَغْضاءِ والفُرْقَةِ، وهو مَنصُوبٌ بِأنَّهُ مَفْعُولٌ ثانٍ لِتَقَطَّعَ عَلى ما مَضى تَخْرِيجُهُ في الأنْبِياءِ، وقَدْ ظَهَرَ كَما تَرى ظُهُورًا بَيِّنًا أنَّ هَذِهِ إشارَةٌ إلى النّاجِينَ مِن أُمَّةِ كُلِّ نَبِيٍّ بَعْدَ إهْلاكِ أعْدائِهِمْ، أيْ إنَّ هَذِهِ الجَماعَةَ الَّذِينَ أنْجَيْتُهم مَعَكم أُمَّتُكُمْ، حالَ كَوْنِهِمْ أُمَّةً واحِدَةً مُتَّفِقِينَ في الدِّينِ، لا خِلافَ بَيْنَهُمْ، وكَما أنَّ جَماعَتَكم واحِدَةٌ فَأنا رَبُّكم لا رَبَّ لَكم غَيْرِي فاتَّقَوْنِ ولا يُخالِفْ أحَدٌ مِنكم أمْرِي ولا تَخْتَلِفُوا وتَفْتَرِقُوا لِئَلّا أُعَذِّبَ العاصِيَ مِنكم كَما عَذَّبْتُ أعْداءَكم. ولَمّا كانَ هَذا مِمّا لا يَرْضاهُ عاقِلٌ، أُجِيبَ مِن كَأنَّهُ قالَ: هَلْ رَضُوا بِذَلِكَ مَعَ انْكِشافِ ضَرَرِهِ؟ بِقَوْلِهِ: ﴿كُلُّ حِزْبٍ﴾ أيْ فِرْقَةٍ ﴿بِما لَدَيْهِمْ﴾ أيْ مِن ضَلالٍ وهُدًى ﴿فَرِحُونَ﴾ أيْ مَسْرُورُونَ فَضْلًا عَنْ أنَّهم راضُونَ غَيْرَ مُعَرِّجٍ الضّالُّ مِنهم عَلى ما جاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنَ الهُدى، ولا عَلى الِاعْتِبارِ بِما اتَّفَقَ لِأُمَمِهِمْ بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمْ مِنَ الرَّدى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب