الباحث القرآني

ولَمّا دَلَّ سُبْحانَهُ وتَعالى عَلى قُدْرَتِهِ بِما أحْيا بِالماءِ حَياةً قاصِرَةً عَنِ الرُّوحِ، أتْبَعَهُ ما أفاضَ عَلَيْهِ بِهِ حَياةً كامِلَةً فَقالَ: ﴿وإنَّ لَكم في الأنْعامِ﴾ وهي الإبِلُ والبَقَرُ والغَنَمُ ﴿لَعِبْرَةً﴾ تُعَبِّرُونَ بِها مِن ظاهِرِ أمْرِها إلى باطِنِهِ مِمّا لَهُ سُبْحانَهُ فِيها مِنَ القُدْرَةِ التّامَّةِ عَلى البَعْثِ وغَيْرِهِ؛ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ تَفْصِيلَ ما فِيها مِنَ العِبْرَةِ قائِلًا: ﴿نُسْقِيكُمْ﴾ ولَمّا كانَ الأنْعامُ مُفْرَدًا لِكَوْنِهِ اسْمَ جَمْعٍ، ولَمْ يُذْكَرْ ما يُسْقى مِنهُ، أنَّثَ الضَّمِيرَ بِحَسَبِ المَعْنى وعُلِمَ أنَّ المُرادَ ما يَكُونُ مِنهُ اللَّبَنُ خاصَّةً وهو الإناثُ، فَهو اسْتِخْدامٌ لِأنَّهُ لَوْ أُرِيدَ جَمِيعَ ما يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ لَذَكَّرَ الضَّمِيرَ، فَلِذَلِكَ قالَ: ﴿مِمّا في بُطُونِها﴾ أيْ نَجْعَلُهُ لَكم شَرابًا نافِعًا لِلْبَدَنِ مُوافِقًا لِلشَّهْوَةِ تَلْتَذُّونَ بِهِ مَعَ خُرُوجِهِ مِن بَيْنِ الفَرْثِ والدَّمِ كَما مَضى في النَّحْلِ ﴿ولَكم فِيها﴾ أيْ في جَماعَةِ الأنْعامِ، وقَدَّمَ الجارَّ تَعْظِيمًا لِمَنافِعِها حَتّى كَأنَّ غَيْرَها عَدَمٌ (p-١٢٨)﴿مَنافِعُ كَثِيرَةٌ﴾ بِاسْتِسْلامِها لِما يُرادُ مِنها مِمّا لا يَتَيَسَّرُ مِن أصْغَرَ مِنها، وبِأوْلادِها وأصْوافِها وأوْبارِها، وغَيْرِ ذَلِكَ مِن آثارِها. ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: تَصْرِفُونَها في تِلْكَ المَنافِعِ، عَطَفَ عَلَيْهِ مُقَدِّمًا لِلْجارِّ تَعْظِيمًا لِمَأْكُولِها فَقالَ: ﴿ومِنها تَأْكُلُونَ﴾ بِسُهُولَةٍ مِن غَيْرِ امْتِناعٍ ما عَنْ شَيْءٍ مِن ذَلِكَ، ولَوْ شاءَ لَمَنَعَها مِن ذَلِكَ وسَلَّطَها عَلَيْكُمْ، ولَوْ شاءَ لَجَعَلَ لَحْمَها لا يَنْضِجُ، أوْ جَعَلَهُ قَذَرًا لا يُؤْكَلُ، ولَكِنَّهُ بِقُدْرَتِهِ وعِلْمِهِ هَيَّأها لِما ذَكَرَ وذَلَّلَها لَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب