الباحث القرآني

ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: لَيْسَ الأمْرُ كَما حَسِبْتُمْ، عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَتَعالى اللَّهُ﴾ أيْ عَلا الَّذِي لَهُ الجَلالُ والجَمالُ عُلُوًّا كَبِيرًا عَنِ العَبَثِ؛ ثُمَّ وصَفَهُ بِما يُنافِي العَبَثَ فَقالَ: ﴿المَلِكُ﴾ أيِ المُحِيطُ بِأهْلِ مَمْلَكَتِهِ عِلْمًا وقُدْرَةً وسِياسَةً، وحِفْظًا ورِعايَةً. ولَمّا كانَ بَعْضُ مُلُوكِ الدُّنْيا قَدْ يَفْعَلُ ما يُنافِي شِيَمَ المُلُوكِ مِنَ العَبَثِ بِما فِيهِ مِنَ الباطِلِ، أتْبَعَ ذَلِكَ بِصِفَةٍ تُنَزِّهُهُ عَنْهُ فَقالَ: ﴿الحَقُّ﴾ (p-١٩٧)أيِ الَّذِي لا تَطَرُّقَ لِلْباطِلِ إلَيْهِ في شَيْءٍ مِن ذاتِهِ ولا صِفاتِهِ، فَلا زَوالَ لَهُ ولا لِمُلْكِهِ فَأنّى يَأْتِيهِ العَبَثُ. ولَمّا كانَ الحَقُّ مِن حَيْثُ هو قَدْ يَكُونُ لَهُ ثانٍ. نَفى ذَلِكَ في حَقِّهِ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿لا إلَهَ إلا هُوَ﴾ فَلا يُوجَدُ لَهُ نَظِيرٌ أصْلًا في ذاتٍ ولا صِفَةٍ، ومَن يَكُونُ كَذَلِكَ يَكُونُ حائِزًا لِجَمِيعِ أوْصافِ الكَمالِ، وخِلالِ الجَلالِ والجَمالِ، مُتَعالِيًا عَنْ سِماتِ النَّقْصِ، والعَبَثِ مِن أدْنى صِفاتِ النَّقْصِ، لِخُلُوِّهِ عَنِ الحِكْمَةِ الَّتِي هي أساسُ الكَمالِ؛ ثُمَّ زادَ في التَّعْيِينِ والتَّأْكِيدِ لِلتَّفَرُّدِ بِوَصْفِهِ بِصِفَةٍ لا يَدَّعِيها غَيْرُهُ فَقالَ: ﴿رَبُّ العَرْشِ﴾ أيِ السَّرِيرُ المُحِيطُ بِجَمِيعِ الكائِناتِ، العالِي عَلَيْها عُلُوًّا لا يُدانِيهِ شَيْءٌ؛ ثُمَّ وصَفَ العَرْشَ لِأنَّهُ في سِياقِ الحُكْمِ بِالعَدْلِ والتَّنَزُّهِ عَنِ العَبَثِ بِخِلافِ سِياقِ بَراءَةٍ والنَّمْلِ فَإنَّهُ لِلْقَهْرِ والجَبَرُوتِ بِقَوْلِهِ: ﴿الكَرِيمِ﴾ أيِ الَّذِي تَنْزِلُ مِنهُ الخَيْراتُ الحاصِلَةُ لِلْعِبادِ، مَعَ شَرَفِ جَوْهَرِهِ، وعَلى رُتْبَتِهِ، ومَدْحِهِ أبْلَغَ مَدْحٍ لِصاحِبِهِ، والكَرِيمُ مِن سَتَرَ مَساوِئَ الأخْلاقِ بِإظْهارِ مَعالِيها وتَنَزَّهَ عَنْ كُلِّ دَناءَةٍ؛ قالَ القَزّازُ: وأصْلُ الكَرَمِ في اللُّغَةِ الفَضْلُ والرِّفْعَةُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب