الباحث القرآني

ولَمّا كانَ المُشْرِكُونَ يَمْنَعُونَ بِهَذِهِ الشُّبَهِ وغَيْرِها كَثِيرًا مِنَ النّاسِ الإيمانَ، وكانُوا لا يَتَمَكَّنُونَ بِها إلّا مِمَّنْ يُخالِطُهُمْ، رَغَّبَ سُبْحانَهُ في الهِجْرَةِ فَقالَ: ﴿والَّذِينَ هاجَرُوا﴾ أيْ أوْقَعُوا هِجْرَةَ دِيارِهِمْ وأهْلِيهِمْ ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أيْ طَرِيقِ ذِي الجَلالِ والإكْرامِ الَّتِي شَرَعَها، فَكانَتْ (p-٧٧)ظَرْفًا لِمُهاجِرَتِهِمْ، فَلَمْ يَكُنْ لَهم بِها غَرَضٌ آخَرُ. ولَمّا كانَ أكْثَرُ ما يُخافُ مِنَ الهِجْرَةِ القَتْلَ. لِقَصْدِ الأعْداءِ لِلْمُهاجِرِ بِالمُصادَمَةِ، عِنْدَ تَحَقُّقِ المُصارَمَةِ، قالَ مُعَبِّرًا بِأداةِ التَّراخِي إشارَةً إلى طُولِ العُمْرِ وعُلُوِّ الرُّتْبَةِ بِسَبَبِ الهِجْرَةِ: ﴿ثُمَّ قُتِلُوا﴾ أيْ بَعْدَ الهِجْرَةِ، وألْحَقَ بِهِ مُطْلَقَ المَوْتِ فَضْلًا مِنهُ فَقالَ: ﴿أوْ ماتُوا﴾ أيْ مِن غَيْرِ قَتْلٍ ﴿لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ﴾ أيِ المَلِكُ الأعْلى ﴿رِزْقًا حَسَنًا﴾ مِن حِينِ تُفارِقُ أرْواحُهم أشْباحَهم لِأنَّهم أحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وذَلِكَ لِأنَّهم أرْضَوُا اللَّهَ بِما انْخَلَعُوا مِنهُ مِمّا أثَّلُوهُ طُولَ أعْمارِهِمْ. وأثْلَهُ آباؤُهم مِن قَبْلِهِمْ، وأمْوالِهِمْ وأهْلِيهِمْ ودِيارِهِمْ. ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فَإنَّ اللَّهَ فَعّالٌ ما يُرِيدُ مِن إحْيائِهِمْ ورِزْقِهِمْ وغَيْرِهِ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿وإنَّ اللَّهَ﴾ أيِ الجامِعَ لِصِفاتِ الكَمالِ بِعَظَمَتِهِ وقُدْرَتِهِ عَلى الإحْياءِ كَما قَدَرَ عَلى الإماتَةِ ﴿لَهُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ﴾ يَرْزُقُ الخَلْقَ عامَّةً البَرَّ مِنهم والفاجِرَ، فَكَيْفَ بِمَن هاجَرَ إلَيْهِ! ويُعْطِي عَطاءً لا يَدْخُلُهُ عَدٌّ، ولا يَحْوِيهِ حَدٌّ، وكَما دَلَّتِ الآيَةُ عَلى تَسْوِيَةِ مَن ماتَ في سَبِيلِ اللَّهِ بِرِباطٍ أوْ غَيْرِهِ في الرِّزْقِ بِالشَّهِيدِ، دَلَّتِ السُّنَّةُ أيْضًا مِن حَدِيثِ سَلْمانَ وغَيْرِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «مَن ماتَ مُرابِطًا أُجْرِيَ عَلَيْهِ الرِّزْقُ وأُمِنَ الفَتّانَيْنِ» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب