الباحث القرآني

ولَمّا حَثَّ عَلى التَّقَرُّبِ بِها مَذْكُورًا اسْمُهُ عَلَيْها، وكانَ مِن مَكارِمِ الأخْلاقِ، وكانَ أكْثَرُهم يَفْعَلُهُ، وكانُوا يَنْضَحُونَ البَيْتَ ونَحْوَهُ بِدِماءِ قَرابِينِهِمْ، ويُشَرِّحُونَ اللَّحْمَ، ويَضَعُونَهُ حَوْلَهُ، زاعِمِينَ أنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ، وقَدْ كانَ بَعْضُ ذَلِكَ شَرْعًا قَدِيمًا، نَبَّهَ سُبْحانَهُ عَلى نَسْخِ ذَلِكَ بِأنْ نَبَّهَ عَلى أنَّ المَقْصُودَ مِنهُ رُوحُهُ لا صُورَتُهُ فَقالَ: ﴿لَنْ يَنالَ﴾ أيْ يُصِيبَ ويَبْلُغَ ويُدْرِكَ. ولَمّا كانَ السِّياقُ لِلْحَثِّ عَلى التَّقْرِيبِ لَهُ سُبْحانَهُ، كانَ تَقْدِيمُ اسْمِهِ عَلى الفاعِلِ أنْسَبَ لِلْإسْراعِ بِنَفْيِ ما قَدْ يُتَوَهَّمُ مِن لَحاقِ نَفْعٍ أوْ ضُرٍّ، (p-٥٣)فَقالَ مُعَبِّرًا بِالِاسْمِ العَلَمِ الَّذِي حَمى عَنِ الشَّرِكَةِ بِكُلِّ اعْتِبارٍ: ﴿اللَّهَ﴾ أيْ رِضا المَلِكِ الَّذِي لَهُ صِفاتُ الكَمالِ فَلا يَلْحَقُهُ نَفْعٌ ولا ضُرٌّ ﴿لُحُومُها﴾ المَأْكُولَةُ ﴿ولا دِماؤُها﴾ المُهْراقَةُ ﴿ولَكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى﴾ أيْ عَمَلُ القَلْبِ وهي الصِّفَةُ المَقْصُودُ بِها أنْ تَقِيَ صاحِبَها سَخَطَ اللَّهِ، وهي الَّتِي اسْتَوْلَتْ عَلى قَلْبِهِ حَتّى حَمَلَتْهُ عَلى امْتِثالِ الأوامِرِ الَّتِي هي نِهاياتٌ لِذَلِكَ، الكائِنَةُ ﴿مِنكُمْ﴾ الحامِلَةُ عَلى التَّقَرُّبِ الَّتِي بِها يَكُونُ لَهُ رُوحُ القَبُولِ، المُحَصِّلَةُ لِلْمَأْمُولِ؛ قالَ الرّازِي في اللَّوامِعِ: وهَذا دَلِيلٌ عَلى أنَّ النِّيَّةَ الخالِصَةَ خَيْرٌ مِنَ الأعْمالِ المُوَظَّفَةِ - انْتَهى. فَإذا نالَتْهُ سُبْحانَهُ النِّيَّةُ قَبْلَ العَمَلِ فَتُلْقى اللُّقْمَةُ «فَرَبّاها كَما يُرَبِّي أحَدُكم فَلُوَّهُ حَتّى تَكُونَ مِثْلَ جَبَلٍ» «ووَقَعَ الدَّمُ مِنهُ بِمَكانٍ» فالنَّفْيُ لِصُورَةٍ لا رُوحَ لَها والإثْباتِ لِذاتِ الرُّوحِ، فَقَدْ تُفِيدُ النِّيَّةَ مِن غَيْرِ عَمَلٍ كَما قالَ ﷺ في غَزْوَةِ تَبُوكَ ما مَعْناهُ. «إنَّ بِالمَدِينَةِ رِجالًا ما نَزَلْنا مَنزِلًا ولا قَطَعْنا وادِيًا إلّا كانُوا فِيهِ حَبَسَهُمُ العُذْرُ» ولا يُفِيدُ العَمَلُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، والنِّيَّةُ هي الَّتِي تُفِيدُ الجَزاءَ سَرْمَدًا واللَّهُ المُوَفِّقُ؛ ثُمَّ كَرَّرَ التَّنْبِيهَ عَلى عَظِيمِ تَسْخِيرِها مُنَبِّهًا عَلى ما أوْجَبَ عَلَيْهِمْ بِهِ فَقالَ: ﴿كَذَلِكَ﴾ أيِ التَّسْخِيرِ العَظِيمِ ﴿سَخَّرَها﴾ أيِ اللَّهُ الجامِعُ لِصِفاتِ الكَمالِ ﴿لَكُمْ﴾ بِعَظْمَتِهِ وغِناهُ عَنْكم ﴿لِتُكَبِّرُوا﴾ ولَمّا ذَكَرَ التَّكْبِيرَ، صَوَّرَهُ بِالِاسْمِ الأعْظَمِ فَقالَ: ﴿اللَّهَ﴾ وضُمِّنَ التَّكْبِيرُ فِعْلَ الشُّكْرِ، فَكانَ التَّقْدِيرُ: شاكِرِينَ لَهُ ﴿عَلى ما هَداكُمْ﴾ (p-٥٤)أيْ عَلى هِدايَتِكم لَهُ والأُمُورُ العَظِيمَةُ الَّتِي هَداكم إلَيْها. ولَمّا كانَ الدِّينُ لا يَقُومُ إلّا بِالنِّذارَةِ والبِشارَةِ، وكانَ السِّياقُ لِأجْلِ ما تَقَدَّمَ مِن شَعائِرِ الحَجِّ، ومَعالِمِ العَجِّ والثَّجِّ - بِالبِشارَةِ ألْيَقَ، ذَكَرَها مُشِيرًا إلى النِّذارَةِ بِواوِ العَطْفِ لِيُؤْذَنَ أنَّ التَّقْدِيرَ: فَأنْذَرَ أيُّها الدّاعِي المُسِيئِينَ: ﴿وبَشِّرِ المُحْسِنِينَ﴾ أيِ الَّذِينَ أوْجَدُوا الإحْسانَ لِأفْعالِهِمْ صُورَةً ومَعْنًى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب