الباحث القرآني

﴿حُنَفاءَ لِلَّهِ﴾ الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ، فَلا مَيْلَ في شَيْءٍ مِن فِعْلِهِ، وإنَّما كانا كَذَلِكَ مَعَ اجْتِماعِهِما في مُطْلَقِ المَيْلِ، لِأنَّ الزُّورَ تَدُورُ مادَّتُهُ عَلى القُوَّةِ والوُعُورَةِ، والحَنَفُ - كَما مَضى في البَقَرَةِ - عَلى الرِّقَّةِ والسُّهُولَةِ، فَكانَ ذُو الزُّورِ مُعْرِضًا عَنِ الدَّلِيلِ بِما فِيهِ مِنَ الكَثافَةِ والحَنِيفِ مُقْبِلًا عَلى الدَّلِيلِ بِما لَهُ مِنَ الإطافَةِ. ولَمّا أفْهَمَ ذَلِكَ التَّوْحِيدَ، أكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾ أيْ شَيْئًا مِن إشْراكٍ، بَلْ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، ودَلَّ عَلى عَظَمَةِ التَّوْحِيدِ وعُلُوِّهِ، وفَظاعَةِ الشِّرْكِ وسُفُولِهِ، بِقَوْلِهِ زاجِرًا عَنْهُ عاطِفًا عَلى ما تَقْدِيرُهُ: فَمَنِ امْتَثَلَ ذَلِكَ أعْلاهُ اعْتِدالُهُ إلى الرَّفِيقِ الأعْلى: ﴿ومَن يُشْرِكْ﴾ أيْ يُوقِعْ شَيْئًا مِنَ الشِّرْكِ ﴿بِاللَّهِ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ العَظَمَةُ كُلُّها، لِشَيْءٍ (p-٤٤)مِنَ الأشْياءِ في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ ﴿فَكَأنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ﴾ لِعُلُوِّ ما كانَ فِيهِ مِن أوْجِ التَّوْحِيدِ وسُفُولِ ما انْحَطَّ إلَيْهِ مِن حَضِيضِ الإشْراكِ. ولَمّا كانَ السّاقِطُ مِن هَذا العُلُوِّ مُتَقَطِّعًا لا مَحالَةَ إمّا بِسِباعِ الطَّيْرِ أوْ بِالوُقُوعِ عَلى جِلْدٍ، عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ﴾ أيْ قِطَعًا بَيْنَها، وهو نازِلٌ في الهَواءِ قَبْلَ أنْ يَصِلَ إلى الأرْضِ ﴿أوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ﴾ أيْ حَيْثُ لَمْ يَجِدْ في الهَواءِ ما يُهْلِكُهُ ﴿فِي مَكانٍ﴾ مِنَ الأرْضِ ﴿سَحِيقٍ﴾ أيْ بَعِيدٍ في السُّفُولِ، فَيَتَقَطَّعُ حالُ وُصُولِهِ إلى الأرْضِ بِقُوَّةِ السَّقْطَةِ وشِدَّةِ الضَّغْطَةِ لِبُعْدِ المَحَلِّ الَّذِي خَرَّ مِنهُ وزَلَّ عَنْهُ، فالآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ: خَطْفُ الطَّيْرِ المَلْزُومُ لِلتَّقَطُّعِ أوَّلًا دالٌّ عَلى حَذْفِ التَّقَطُّعِ ثانِيًا، والمَكانُ السَّحِيقُ المَلْزُومُ لِبُلُوغِ الأرْضِ ثانِيًا دَلِيلٌ عَلى حَذْفِ ضِدِّهِ أوَّلًا؛ ثُمَّ عَظَّمَ ما تَقَدَّمَ مِنَ التَّوْحِيدِ وما هو مُسَبَّبٌ عَنْهُ بِالإشارَةِ بِأداةِ البُعْدِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب