الباحث القرآني

ولَمّا كانَ المُرادُ بِالسّاعَةِ القِيامَ وما والاهُ، جُعِلَ مَظْرُوفًا لِذَلِكَ اليَوْمِ الَّذِي هو مِن ذَلِكَ الوَقْتِ إلى افْتِراقِ الفَرِيقَيْنِ إلى دارَيِ الإبْعادِ والإسْعادِ، والهَوانِ والغُفْرانِ، فَقالَ تَعالى: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَها﴾ أيِ الزَّلْزَلَةَ أوْ كُلَّ مُرْضِعَةٍ، أضْمَرَها قَبْلَ الذِّكْرِ، تَهْوِيلًا لِلْأمْرِ وتَرْوِيعًا لِلنَّفْسِ ﴿تَذْهَلُ﴾ أيْ تَنْسى وتَغْفُلُ حائِرَةً مَدْهُوشَةً، وهو العامِلُ في ”يَوْمَ“ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ عامِلُهُ مَعْنى الكَلامِ، أيْ تَسْتَعْظِمُونَ جِدًّا ذَلِكَ اليَوْمَ عِنْدَ المُعايَنَةِ وإنْ كُنْتُمُ الآنَ تُكَذِّبُونَ، ويَكُونُ ما بَعْدَهُ اسْتْئْنافًا ودَلَّ بِالسُّورِ عَلى عُمُومِ تَأْثِيرِهِ لِشِدَّةِ عَظَمَتِهِ فَقالَ: ﴿كُلُّ مُرْضِعَةٍ﴾ (p-٥)أيْ بِالفِعْلِ ﴿عَمّا أرْضَعَتْ﴾ مِن ولَدِها وغَيْرِهِ، وهي مَن ماتَتْ مَعَ ابْنِها رَضِيعًا، قالَ البَغَوِيُّ: يُقالُ: مُرْضِعٌ، بِلا هاءٍ - إذا أُرِيدَ بِهِ الصِّفَةُ مِثْلُ حائِضٍ وحامِلٍ، فَإذا أرادُوا الفِعْلَ أدْخَلُوا الهاءَ - يَعْنِي: فَيَدُلُّ حِينَئِذٍ أنَّها مُلْتَبِسَةٌ بِهِ ﴿وتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها﴾ أيْ تُسْقِطُهُ قَبْلَ التَّمامِ رُعْبًا وفَزَعًا، وهي مَن ماتَتْ حامِلًا - واللَّهُ أعْلَمُ، فَإنَّ كُلَّ أحَدٍ يَقُومُ عَلى ما ماتَ عَلَيْهِ، قالَ الحَسَنُ: تَذْهَلُ المُرْضِعَةُ عَنْ ولَدِها بِغَيْرِ فِطامٍ، وتَضَعُ الحامِلُ ما في بَطْنِها بِغَيْرِ تَمامٍ - انْتَهى. ويُؤَيِّدُ أنَّ هَذِهِ الزَّلْزَلَةَ تَكُونُ بَعْدَ البَعْثِ ما في الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما: مُسْلِمٌ في الإيمانِ وهَذا لَفْظُهُ، والبُخارِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَفَعَهُ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: يا آدَمُ ! فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ! والخَيْرُ في يَدَيْكَ، قالَ: يَقُولُ: أخْرِجْ بَعْثَ النّارِ، قالَ: وما بَعْثُ النّارِ؟ قالَ: مِن كُلِّ ألْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وتِسْعَةٌ وتِسْعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها» الحَدِيثُ والأحادِيثُ في ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، ومَعارِضُها (p-٦)ضَعِيفٌ، والمُناسِبُ أيْضًا لِما في آخِرِ تِلْكَ مِن قَوْلِهِ ﴿فَإذا هي شاخِصَةٌ أبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنبياء: ٩٧] وما تَبِعَهُ أنَّ هَذِهِ الزَّلْزَلَةَ بَعْدَ القِيامِ مِنَ القُبُورِ ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] ﴿إذا السَّماءُ انْفَطَرَتْ﴾ [الإنفطار: ١] إلى قَوْلِهِ: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وأخَّرَتْ﴾ [الإنفطار: ٥] ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ المُرادُ هَذا وما قَبْلَهُ لِأنَّ يَوْمَ السّاعَةِ طَوِيلٌ، فَنِسْبَةُ الكُلِّ إلَيْها عَلى حَدٍّ سَواءٍ. ولَمّا كانَ النّاسُ كُلُّهم يَرَوْنَ الزَّلْزَلَةَ، ولا يَرى الإنْسانُ السُّكْرَ - إلّا مِن غَيْرِهِ قالَ في الزَّلْزَلَةِ ﴿تَرَوْنَها﴾ وقالَ في السُّكَّر: ﴿وتَرى النّاسَ سُكارى﴾ أيْ لِما هم فِيهِ مِنَ الدَّهَشِ والحَيْرَةِ والبَهْتِ لِما شاهَدُوا مِن حِجابِ العِزِّ وسُلْطانِ الجَبَرُوتِ وسُرادِقِ الكِبْرِياءِ، ثُمَّ دَلَّ عَلى أنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلى حَقِيقَتِهِ بِقَوْلِهِ، نافِيًا لِما يُظَنُّ إثْباتُهُ بِالجُمْلَةِ الأُولى: ﴿وما هم بِسُكارى﴾ أيْ مِنَ الخَمْرِ. ولَمّا نَفى أنْ يَكُونُوا سُكارى مِنَ الخَمْرِ، أثْبَتَ ما أوْجَبَ لَهم تِلْكَ الحالَةَ فَقالَ: ﴿ولَكِنَّ عَذابَ اللَّهِ﴾ ذِي العِزِّ والجَبَرُوتِ ﴿شَدِيدٌ﴾ فَهو الَّذِي وجَبَ أنْ يُظَنَّ بِهِمُ السُّكْرُ، لِأنَّهُ أذْهَبَ خَوْفُهُ حَوْلَهُمْ، وطَيَّرَ هَوْلُهُ عُقُولَهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب