الباحث القرآني

ولَمّا أتَمَّ الدَّلِيلَ عَلى خُسْرانِ هَذا المُنْقَلَبِ ورِبْحِ الثّابِتِ، وكانَ هَذا مُفْهِمًا لِأنَّ مَن رَجاهُ لِما وعَدَ بِهِ بادَرَ الإقْبالَ عَلَيْهِ ولَمْ يَنْفَعْ إلّا نَفْسَهُ، ومَن لا يَرْجُ ذَلِكَ أعْرَضَ عَنِ اللَّهِ سُبْحانَهُ مُنْقَلِبًا عَلى وجْهِهِ فَلَمْ يَضُرَّ إلّا نَفْسَهُ، تَرْجَمَ عَنْ حالِ هَذا الثّانِي العابِدِ عَلى حَرْفٍ بِقَوْلِهِ: ﴿مَن كانَ يَظُنُّ﴾ أيْ مِمَّنْ أصابَتْهُ فِتْنَةٌ ﴿أنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ﴾ ذُو الجَلالِ والإكْرامِ في حالٍ مِن أحْوالِهِ ﴿فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ﴾ فَأعْرَضَ عَنْهُ انْقِلابًا عَلى وجْهِهِ فَإنَّهُ لا يَضُرُّ إلّا نَفْسَهُ وإنْ ظَنَّ أنَّهُ لا يَضُرُّها ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ﴾ أيْ حَبْلٍ أوْ شَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ المُوصِلَةِ لَهُ ﴿إلى السَّماءِ﴾ الَّتِي يُرِيدُها مِن سَقْفٍ أوْ سَحابٍ أوْ غَيْرِهِما. ولَمّا كانَ مَدُّهُ ذَلِكَ مُتَعَسِّرًا أوْ مُتَعَذِّرًا، عَبَّرَ عَمّا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ بِأداةِ (p-٢٢)التَّراخِي فَقالَ: ﴿ثُمَّ لِيَقْطَعْ﴾ أيْ لِيُوجِدْ مِنهُ وصْلٌ وقَطْعٌ، أيْ لِيَبْذُلْ جُهْدَهُ في دَفْعِ القَضاءِ والقَدَرِ عَنْهُ، وهي لامُ أمْرٍ عِنْدَ مَن حَرَّكَها بِالكَسْرِ إفْهامًا لِشِدَّةِ الحَرَكَةِ في المُزاوَلَةِ لِلذَّهابِ إلى السُّفْلِ الدّالِّ عَلى عَدَمِ العَقْلِ، وهم أبُو عَمْرٍو وابْنِ عامِرٍ ووَرْشٍ عَنْ نافِعٍ ورُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ، أوْ أسْكَنَها وهُمُ الباقُونَ ﴿فَلْيَنْظُرْ﴾ بِبَصَرِهِ وبَصِيرَتِهِ ﴿هَلْ يُذْهِبَنَّ﴾ وإنِ اجْتَهَدَ ﴿كَيْدُهُ ما يَغِيظُ﴾ أيْ شَيْئًا يَحْصُلُ لَهُ مِنهُ غَيْظٌ، أوْ يَكُونُ المَعْنى: فَلْيَفْعَلْ ما يَفْعَلُهُ مَن بَلَغَ مِنهُ الغَيْظُ بِأنْ يَرْبُطَ حَبْلًا بِسَقْفِ بَيْتِهِ ثُمَّ لِيَرْبِطْهُ في عُنُقِهِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ ما بَيْنَ رِجْلَيْهِ وبَيْنَ الأرْضِ لِيَخْتَنِقَ، وهَذا كَما يُقالُ لِمَن أدْبَرَ عَنْهُ أمْرٌ فَجَزِعَ: اضْرِبْ بِرَأْسِكَ الجِدارَ إنْ لَمْ تَرْضَ هَذا، مُتْ غَيْظًا - ونَحْوَ ذَلِكَ، والحاصِلُ أنَّهُ إنْ لَمْ يَصْبِرْ عَلى المَصائِبِ لِلَّهِ طَوْعًا صَبَرَ عَلَيْها كُرْهًا مَعَ ما نالَهُ مِن أسْبابِ الشَّقاءِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب