الباحث القرآني

ثُمَّ بَيَّنَ هَذا الخُسْرانَ الَّذِي رَدَّهُ إلى ما كانَ فِيهِ قَبْلَ الإيمانِ الحَرْفِيِّ بِقَوْلِهِ: ﴿يَدْعُو﴾ أيْ يَعْبُدُ حَقِيقَةً أوْ مَجازًا مَعَ التَّجَدُّدِ والِاسْتِمْرارِ بِالِاعْتِمادِ عَلى غَيْرِ اللَّهِ ومُنابَذَةِ ﴿وإيّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: ٥] ولَمّا كانَ كُلُّ ما سِوى اللَّهِ دُونَهُ، نَبَّهَ عَلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أيْ عَنْ أدْنى رُتْبَةٍ مِن رُتَبِ المُسْتَجْمِعِ لِصِفاتِ الكَمالِ. ولَمّا كانَ المُقْتَضِي لِلْعِبادَةِ إنَّما هو الفِعْلُ بِالِاخْتِيارِ، وأمّا الفِعْلُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الطَّبْعُ والقَسْرُ عَلَيْهِ فَلا عِبْرَةَ بِهِ في ذَلِكَ، فَإنَّهُ لا قُدْرَةَ عَلى الِانْفِكاكِ عَنْهُ فَلا حَمْدَ لِفاعِلِهِ، نَبَّهَ عَلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿ما لا يَضُرُّهُ﴾ أيْ بِوَجْهٍ (p-١٩)مِنَ الوُجُوهِ حَتّى ولا بِقَطْعِ النَّفْعِ إنْ كانَ يُتَصَوَّرُ مِنهُ. ولَمّا قَدَّمَ الضُّرَّ لِأنَّهُ مِنَ الأعْذارِ المَقْبُولَةِ في ارْتِكابِ الخَطَأِ، أتْبَعَهُ النَّفْعَ قَطْعًا لِكُلِّ مَقالٍ فَقالَ: ﴿وما لا يَنْفَعُهُ﴾ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ ولا بِتَرْكِ الضُّرِّ إنْ وُجِدَ مِنهُ، ولَوْ أُسْقِطَتْ ”ما“ مِنَ الثّانِي لَظُنَّ أنَّ الذَّمَّ يُشْتَرَطُ فِيهِ انْتِفاءُ الضُّرِّ والنَّفْعِ مَعًا حَتّى أنَّ مَنِ ادَّعى ما انْتَفى عَنْهُ أحَدُهُما لَمْ يُذَمَّ ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ الفِعْلُ الدّالُّ عَلى أعْظَمِ السَّفَهِ وهو دُعاءُ شَيْءٍ انْتَفى عَنْهُ القُدْرَةُ عَلى النَّفْعِ، أوْ شَيْءٍ انْتَفى عَنْهُ القُدْرَةُ عَلى الضُّرِّ ﴿هُوَ﴾ أيْ وحْدَهُ ﴿الضَّلالُ البَعِيدُ﴾ عَنِ الحَقِّ والرَّشادِ الَّذِي أوْصَلَ إلى فَيافِي مَجاهِلَ لا يَتَأتّى الرُّجُوعُ مِنها، وذَلِكَ لِأنَّ الأوَّلَ لَوْ تَرَكَ عِبادَتَهُ ما قَدَرَ عَلى مَنعِ إحْسانِهِ، والثّانِي لَوْ تَقاداهُ ما وصَلَ إلى نَفْعِهِ ولا بِتَرْكِ ضُرِّهِ، فَعِبادَتُهُما عَبَثٌ، لِأنَّهُ اسْتَوى فِعْلُها وتَرْكُها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب