الباحث القرآني

ولَمّا بَيَّنَ أنَّهُ عَلى سُنَّةِ مَن مَضى مِنَ الرُّسُلِ في كَوْنِهِ رَجُلًا، بَيَّنَ (p-٣٩١)أنَّهُ عَلى سُنَّتِهِمْ في جَمِيعِ الأوْصافِ الَّتِي حَكَمَ بِها عَلى البَشَرِ مِنَ العَيْشِ والمَوْتِ فَقالَ: ﴿وما جَعَلْناهُمْ﴾ أيِ الرُّسُلَ الَّذِينَ اخْتَرْنا بَعْثَهم إلى النّاسِ لِيَأْمُرُوهم بِأوامِرِنا. ولَمّا كانَ السَّبَبُ في الأكْلِ تَرْتِيبَ هَذا الهَيْكَلِ الحَيَوانِيِّ عَلى ما هو عَلَيْهِ لا كَوْنَهُ مُتَكَثِّرًا، وحَّدَ فَقالَ ﴿جَسَدًا﴾ [أيْ ذَوِي جَسَدٍ لَحْمٍ ودَمٍ-] مُتَّصِفِينَ بِأنَّهم ﴿لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ﴾ بَلْ جَعَلْناهم أجْسادًا يَأْكُلُونَ ويَشْرَبُونَ، ولَيْسَ ذَلِكَ بِمانِعٍ مِن إرْسالِهِمْ؛ قالَ ابْنُ فارِسٍ في المُجْمَلِ: [و-] في كِتابِ الخَلِيلِ: إنَّ الجَسَدَ لا يُقالُ لِغَيْرِ الإنْسانِ مِن خَلْقِ الأرْضِ. ثُمَّ عَطَفَ عَلى الأوَّلِ قَوْلَهُ: ﴿وما كانُوا خالِدِينَ﴾ أيْ بِأجْسادِهِمْ، بَلْ ماتُوا كَما ماتَ النّاسُ قَبْلَهم وبَعْدَهُمْ، أيْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ في جِبِلَّتِهِمْ وإنَّما تَمَيَّزُوا عَنِ النّاسِ بِما يَأْتِيهِمْ عَنِ اللَّهِ سُبْحانَهُ، ورَسُولُكم ﷺ لَيْسَ بِخالِدٍ، فَتَرَبَّصُوا كَما أشارَ إلَيْهِ خَتْمُ طَهَ فَإنَّهُ مُتَرَبِّصٌ بِكم وأنْتُمْ عاصُونَ لِلْمَلِكِ الَّذِي اقْتَرَبَ حِسابُهُ لِخَلْقِهِ وهو مُطِيعٌ لَهُ، فَأيُّكم أحَقُّ بِالأمْنِ؟ ولَمّا بَيَّنَ أنَّ الرُّسُلَ كالمُرْسَلِ إلَيْهِمْ بَشَرٌ غَيْرُ خالِدِينَ، بَيَّنَ سُنَّتَهُ فِيهِمْ وفي أُمَمِهِمْ تَرْغِيبًا لِمَنِ اتَّبَعَ، وتَرْهِيبًا لِمَنِ امْتَنَعَ، فَقالَ عاطِفًا بِأداةِ التَّراخِي في مَظْهَرِ العَظَمَةِ عَلى ما أرْشَدَ إلَيْهِ التَّقْدِيرُ مِن مِثْلِ: بَلْ جَعَلْناهم (p-٣٩٢)جَسَدًا يَأْكُلُونَ ويَشْرَبُونَ، ويَعِيشُونَ إلى انْقِضاءِ آجالِهِمْ ويَمُوتُونَ، وأرْسَلْناهم إلى أُمَمِهِمْ فَحَذَّرُوهم وأنْذَرُوهم وكَلَّمُوهم كَما أمَرْناهُمْ، ووَعَدْناهم أنَّ مَن آمَنَ بِهِمْ أسْعَدْناهُ، ومَن كَفَرَ واسْتَمَرَّ أشْقَيْناهُ، وأنّا نُهْلِكُ مَن أرَدْنا مِنَ المُكَذِّبِينَ، فَآمَنَ بِهِمْ بَعْضٌ وكَفَرَ آخَرُونَ؛ فَلَمْ نُعاجِلْهم بِالأخْذِ بَلْ صَبَرْنا عَلَيْهِمْ، وطالَ بَلاءُ رُسُلِنا بِهِمْ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب