الباحث القرآني

ولَمّا بَيَّنَ أوَّلًا أنَّ الآياتِ تَكُونُ سَبَبًا لِلْهَلاكِ، فَلا فائِدَةَ في الإجابَةِ إلى ما اقْتَرَحُوهُ مِنها بَعْدَ بُطْلانِ ما قَدَحُوا بِهِ في القُرْآنِ، بَيَّنَ ثانِيًا بُطْلانَ ما قَدَحُوا بِهِ في الرَّسُولِ بِكَوْنِهِ بَشَرًا، بِأنَّ الرُّسُلَ الَّذِينَ كانُوا مِن قَبْلِهِ كانُوا بِإقْرارِهِمْ مِن جِنْسِهِ، فَما لَهم أنْ يُنْكِرُوا رِسالَتَهُ وهو مِثْلُهُمْ، بَلْ عَلَيْهِمْ أنْ يَعْتَرِفُوا لَهُ عِنْدَما أظْهَرَ مِنَ المُعْجِزِ كَما اعْتَرَفُوا لِأُولَئِكَ، كُلُّ ذَلِكَ فَطْمًا عَنْ أنْ يَتَمَنّى أحَدٌ إجابَتَهم إلى التَّأْيِيدِ بِمُلْكٍ ظاهِرٍ، فَقالَ عاطِفًا عَلى ﴿ما آمَنَتْ﴾ [الأنبياء: ٦] ﴿وما أرْسَلْنا﴾ . ولَمّا كانَ السِّياقُ لِإنْكارِ أنْ يَكُونَ النَّبِيُّ بَشَرًا، وكانَ الدَّهْرُ كُلُّهُ ما خَلا قَطُّ جُزْءٌ مِنهُ مِن رِسالَةٍ، إمّا بِرَسُولٍ قائِمٍ، وإمّا بِتَناقُلِ أخْبارِهِ، (p-٣٩٠)كانَ تَعْمِيمُ الزَّمانِ أنْسَبَ فَقالَ مِن غَيْرِ حَرْفِ [جَرٍّ-]: ﴿قَبْلَكَ﴾ أيْ في جَمِيعِ الزَّمانِ الَّذِي تَقَدَّمَ زَمانَكَ في جَمِيعِ طَوائِفِ البَشَرِ ﴿إلا رِجالا نُوحِي إلَيْهِمْ﴾ بِالمَلائِكَةِ سِرًّا مِن غَيْرِ أنْ يَطَّلِعَ عَلى ذَلِكَ المَلَكِ غَيْرُهم كَما اقْتَضَتْهُ العَظَمَةُ مِنَ التَّخْصِيصِ والِاخْتِيارِ والإسْرارِ عَنِ الأغْيارِ، وذَلِكَ مِن نِعَمِ اللَّهِ عَلى خَلْقِهِ، لِأنَّ جَعْلَ الرُّسُلِ مِنَ البَشَرِ أمْكَنُ لِلتَّلَقِّي مِنهم والأخْذِ عَنْهم. ولَمّا لَمْ يَكُنْ لَهم طَرِيقٌ في عِلْمِ هَذا إنْ لَمْ يَقْبَلُوا خَبَرَهُ عَنِ القُرْآنِ إلّا سُؤالَ مَن كانُوا يَفْزَعُونَ إلَيْهِمْ مِن أهْلِ الكِتابِ لِيُشايِعُوهم عَلى ما هم عَلَيْهِ مِنَ الشَّكِّ والِارْتِيابِ، قالَ: ﴿فاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ﴾ ثُمَّ نَبَّهَ عَلى أنَّهم غَيْرُ مُحْتاجِينَ فِيهِ إلى السُّؤالِ بِما كانَ قَدْ بَلَغَهم عَلى الآجالِ مِن أحْوالِ مُوسى وعِيسى وإبْراهِيمَ وإسْماعِيلَ وغَيْرِهِمْ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِقَوْلِهِ، مُعَبِّرًا بِأداةِ الشَّكِّ مُحَرِّكًا لَهم إلى المَعالِي: ﴿إنْ كُنْتُمْ﴾ أيْ بِجِبِلّاتِكم ﴿لا تَعْلَمُونَ﴾ أيْ لا أهْلِيَّةَ لَكم في اقْتِناصِ عِلْمٍ، بَلْ كُنْتُمْ أهْلَ تَقْلِيدٍ مَحْضٍ وتَبَعٍ صِرْفٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب