الباحث القرآني

ولَمّا أشارَ سُبْحانَهُ إلى فَسادِ طَعْنِهِمْ بِما جَعَلَهُ هَباءً مَنثُورًا، وتَضَمَّنَ قَوْلُهُمُ الَّذِي سَبَّبُوهُ عَنْهُ القَرارَ بِالرُّسُلِ البَشَرِيِّينَ وآياتِهِمْ، أتْبَعَهُ بَيانَ ما عَلَيْهِمْ فِيهِ، فَبَيَّنَ أوَّلًا أنَّ الآياتِ تَكُونُ سَبَبًا لِلْهَلاكِ، فَقالَ جَوابًا لِمَن كَأنَّهُ قالَ: رَبِّ أجِبْهم إلى ما اقْتَرَحُوهُ لِيُؤْمِنُوا: ﴿ما آمَنَتْ﴾ أيْ بِالإجابَةِ إلى الآياتِ المُقْتَرَحاتِ. ولَمّا كانَ المُرادُ اسْتِغْراقَ الزَّمانِ، جَرَّدَ الظَّرْفَ عَنِ الخافِضِ فَقالَ: ﴿قَبْلَهُمْ﴾ أيْ قَبْلَ كُفّارِ مَكَّةَ المُقْتَرِحِينَ عَلَيْكَ، وأعْرَقَ في النَّفْيِ فَقالَ: ﴿مِن قَرْيَةٍ﴾ ولَمّا كانَ المَقْصُودُ التَّهْوِيلَ في الإهْلاكِ، وكانَ إهْلاكُ القَرْيَةِ دالًّا عَلى إهْلاكِ أهْلِها مِن غَيْرِ عَكْسٍ، دَلَّ عَلى إهْلاكِ جَمِيعِ المُقْتَرِحِينَ تَحْذِيرًا مِن مِثْلِ حالِهِمْ بِوَصْفِها بِقَوْلِهِ في مَظْهَرِ العَظَمَةِ [المُقْتَضِي -] لِإهْلاكِ المُعانِدِينَ: ﴿أهْلَكْناها﴾ أيْ عَلى كَثْرَتِهِمْ ﴿وكَمْ أهْلَكْنا مِنَ القُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ﴾ [الإسراء: ١٧] ﴿وما أهْلَكْنا مِن قَرْيَةٍ إلا لَها مُنْذِرُونَ﴾ [الشعراء: ٢٠٨] ﴿وما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولا﴾ [الإسراء: ١٥] «وما مِنَ الأنْبِياءِ (p-٣٨٩)نَبِيٌّ إلّا أُعْطِيَ مِنَ الآياتِ ما مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ» وأشارَ بِذَلِكَ إلى أنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ عِنْدَ البَأْسِ إلّا قَرْيَةٌ واحِدَةٌ وهم قَوْمُ يُونُسَ لِأنَّهم آمَنُوا عِنْدَ رُؤْيَةِ المَخايِلِ وقِيلَ الشُّرُوعُ في الإهْلاكِ، [وهُوَ إشارَةٌ إلى أنَّ سَبَبَ الإيمانِ مَشِيئَتُهُ سُبْحانَهُ لا الآياتُ-]. ولَمّا كانُوا كَمَن قَبْلَهم إنْ لَمْ يَكُونُوا دُونَهُمْ، حَسُنَ الإنْكارُ في قَوْلِهِ: ﴿أفَهم يُؤْمِنُونَ﴾ أيْ كَلّا! بَلْ لا يُؤْمِنُونَ ولَوْ جاءَتْهم كُلُّ آيَةٍ حَتّى يَرَوُا العَذابَ الألِيمَ حِينَ لا يَنْفَعُ الإيمانُ، وقَدْ قَضَيْنا في الأزَلِ أنْ لا نَسْتَأْصِلَ هَذِهِ الأُمَّةَ إكْرامًا لِنَبِيِّها، فَنَحْنُ لا نُجِيبُهم إلى المُقْتَرَحاتِ لِذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب