الباحث القرآني

ولَمّا بَيَّنَ ما افْتَتَحَتِ السُّورَةَ مِنَ اقْتِرابِ السّاعَةِ بِالقُدْرَةِ عَلَيْهِ واقْتِضاءِ الحِكْمَةِ لَهُ، وأنَّ كُلَّ أحَدٍ مَيِّتٌ لا يَسْتَطِيعُ شَيْئًا مِنَ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ، وخُتِمَتِ الآياتُ بِإقْرارِ الظّالِمِ بِظُلْمِهِ، وكانَتْ عادَةُ كَثِيرٍ مِنَ النّاسِ الجَوْرَ عِنْدَ القُدْرَةِ، بَيَّنَ أنَّهُ سُبْحانَهُ بِخِلافِ ذَلِكَ فَذَكَرَ بَعْضَ ما يَفْعَلُ في حِسابِ السّاعَةِ مِنَ العَدْلِ فَقالَ عاطِفًا عَلى قَوْلِهِ ﴿بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً﴾ [الأنبياء: ٤٠] ﴿ونَضَعُ﴾ فَأبْرَزَهُ في مَظْهَرِ العَظَمَةِ إشارَةً إلى هَوانِهِ عِنْدَهُ وإنْ كانَ لِكَثْرَةِ الخَلائِقِ وأعْمالِ كُلٍّ مِنهم مُتَعَذِّرًا عِنْدَنا ﴿المَوازِينَ﴾ المُتَعَدِّدَةَ لِتَعَدُّدِ المَوْزُوناتِ أوْ أنْواعِها. ولَمّا كانَتِ المَوازِينُ آلَةَ العَدْلِ، وصَفَها بِهِ مُبالَغَةً فَقالَ ﴿القِسْطَ﴾ أيِ العَدْلَ المُمَيِّزَ لِلْأقْسامِ عَلى السَّوِيَّةِ. (p-٤٢٩)ولَمّا كانَ الجَزاءُ عِلَّةً في وضْعِ المَقادِيرِ، عَبَّرَ بِاللّامِ لِيَشْمَلَ - مَعَ ما يُوضَعُ [فِيهِ -] - ما وُضِعَ الآنَ لِأجْلِ الدُّنْيَوِيَّةِ فِيهِ فَقالَ: ﴿لِيَوْمِ القِيامَةِ﴾ الَّذِي أنْتُمْ عَنْهُ - لِإعْراضِكم عَنِ الذِّكْرِ - غافِلُونَ. ولَمّا جَرَتِ العادَةُ بِأنَّ المَلِكَ قَدْ يَكُونُ عادِلًا فَظَلَمَ بَعْضَ أتْباعِهِ، بَيَّنَ أنَّ عَظَمَتَهُ في إحاطَةِ عِلْمِهِ وقُدْرَتِهِ تَأْبى ذَلِكَ، فَبَنى الفِعْلَ لِلْمَجْهُولِ فَقالَ: ﴿فَلا﴾ أيْ فَتَسَبَّبَ عَنْ هَذا الوَضْعِ أنَّهُ لا ﴿تُظْلَمُ﴾ [أيْ مِن ظالِمٍ ما -] ﴿نَفْسٌ شَيْئًا﴾ مِن عَمَلِها ﴿وإنْ كانَ﴾ أيِ العَمَلُ ﴿مِثْقالَ حَبَّةٍ﴾ هَذا عَلى قِراءَةِ الجَماعَةِ بِالنَّصْبِ. والتَّقْدِيرُ عَلى قِراءَةِ نافِعٍ بِالرَّفْعِ: وإنْ وقَعَ أوْ وُجِدَ ﴿مِن خَرْدَلٍ﴾ أوْ أحْقَرَ مِنهُ، وإنَّما مَثَّلَ بِهِ لِأنَّهُ غايَةٌ عِنْدَنا في القِلَّةِ، [وزادَ في تَحْقِيرِهِ بِضَمِيرِ التَّأْنِيثِ لِإضافَتِهِ إلى المُؤَنَّثِ فَقالَ -]: ﴿أتَيْنا بِها﴾ بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ في العِلْمِ والقُدْرَةِ وجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ فَحاسَبْناهُ عَلَيْها، والمِيزانُ حَقِيقِيٌّ. ووَزْنُ الأعْمالِ عَلى صِفَةٍ يَصِحُّ وزْنُها مَعَها بِقُدْرَةِ مَن لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ. ولَمّا كانَ حِسابُ الخَلائِقِ كُلِّهِمْ عَلى ما صَدَرَ مِنهم أمْرًا باهِرًا لِلْعَقْلِ، حَقَّرَهُ عِنْدَ عَظَمَتِهِ فَقالَ: ﴿وكَفى بِنا﴾ أيْ بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ (p-٤٣٠)﴿حاسِبِينَ﴾ أيْ لا يَكُونُ في الحِسابِ أحَدٌ مِثْلُنا، فَفِيهِ [تَوَعُّدٌ مِن جِهَةِ أنَّ مَعْناهُ أنَّهُ لا يَرُوجُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِن خِداعٍ ولا يَقْبَلُ -] غَلَطًا، ولا يَضِلُّ ولا يَنْسى، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِن كُلِّ ما يَلْزَمُ مِنهُ نَوْعُ لَبْسٍ أوْ شَوْبُ نَقْصٍ، [ووَعْدٌ مِن جِهَةِ أنَّهُ يَطَّلِعُ عَلى كُلِّ حَسَنٍ فَقِيدٍ وإنْ دَقَّ وخَفِيَ -].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب