الباحث القرآني

ولَمّا دَلَّهم بِالسَّماواتِ والأرْضِ عَلى عَظَمَتِهِ، ثُمَّ فَصَّلَ بَعْضَ ما في الأرْضِ لِمُلابَسَتِهِمْ لَهُ، وخَصَّ الجِبالَ لِكَثْرَتِها في بِلادِهِمْ، أتْبَعَهُ (p-٤١٥)السَّماءَ فَقالَ: ﴿وجَعَلْنا﴾ أيْ بِعَظَمَتِنا ﴿السَّماءَ﴾ وأفْرَدَها بِإرادَةِ الجِنْسِ لِأنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يُشاهِدُونَ مِنها إلّا الدُّنْيا ولِأنَّ الحِفْظَ لِلشَّيْءِ الواحِدِ أتْقَنُ ﴿سَقْفًا﴾ أيْ لِلْأرْضِ لا فَرْقَ بَيْنَها وبَيْنَ ما يُعْهَدُ مِنَ السُّقُوفِ إلّا أنَّ ما يُعْهَدُ لا يَسْقُطُ مِنهُ إلّا ما يَضُرُّ، وهَذِهِ مَشْحُونَةٌ بِالمَنافِعِ فَأكْثَرُ ما يَنْزِلُ مِنها ما لا غِنى لِلنّاسِ عَنْهُ مِن آلاتِ الضِّياءِ وعَلاماتِ الِاهْتِداءِ والزِّينَةِ الَّتِي لا يُقَدَّرُ قَدْرُها. ولَمّا كانَ ما يَعْرِفُونَ مِنَ السُّقُوفِ عَلى صِغَرِها لا تَثْبُتُ إلّا بِالعُمُدِ، ويَتَمَكَّنُ مِنهُ المُفْسِدُونَ، وتَحْتاجُ كُلَّ قَلِيلٍ إلى إصْلاحٍ وتَعَهُّدٍ، بَيَّنَ أنَّ هَذا السَّقْفَ عَلى سَعَتِهِ وعُلُوِّهِ عَلى غَيْرِ ذَلِكَ فَقالَ: ﴿مَحْفُوظًا﴾ أيْ عَنِ السُّقُوطِ بِالقُدْرَةِ وعَنِ الشَّياطِينِ بِالشُّهُبِ، فَذَكَّرَ بِاعْتِبارِ السَّقْفِ، وأشارَ إلى كَثْرَةِ ما حَوى مِنَ الآياتِ مُؤَنِّثًا بِاعْتِبارِ السَّماءِ أوِ العَدَدِ الدّالِّ عَلَيْهِ الجِنْسُ، لِأنَّ العَدَدَ أوْلى بِالدَّلالَةِ عَلى كَثْرَةِ الآياتِ [والنُّجُومُ مُفَرَّقَةٌ في الكُلِّ -] فَقالَ: ﴿وهُمْ﴾ أيْ أكْثَرُ النّاسِ ﴿عَنْ آياتِها﴾ أيْ مِنَ الكَواكِبِ الكِبارِ والصِّغارِ، والرِّياحِ والأمْطارِ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدَّلائِلِ الَّتِي تَفُوتُ الِانْحِصارَ، أيِ الدّالَّةِ عَلى قُدْرَتِنا عَلى كُلِّ ما نُرِيدُ مِنَ البَعْثِ وغَيْرِهِ [و -] عَلى عَظَمَتِنا بِالتَّفَرُّدِ بِالإلَهِيَّةِ (p-٤١٦)وغَيْرِ ذَلِكَ مِن أوْصافِ الكَمالِ، مِنَ الجَلالِ والجَمالِ ﴿مُعْرِضُونَ﴾ لا يَتَفَكَّرُونَ فِيما فِيها مِنَ التَّسْيِيرِ والتَّدْبِيرِ بِالمَطالِعِ والمَغارِبِ والتَّرْتِيبِ القَوِيمِ الدّالِّ عَلى الحِسابِ الدّائِرِ عَلَيْهِ سائِرُ المَنافِعِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب