الباحث القرآني

ولَمّا كانَ مِنَ القُدْرَةِ الباهِرَةِ ثَباتُ الأرْضِ مِن غَيْرِ حَرَكَةٍ، وكانَ الماءُ أدَلَّ دَلِيلٍ عَلى ثَباتِها، وكانَتِ الأرْضُ أقْرَبَ في (p-٤١٤)الذِّكْرِ مِنَ السَّماءِ، أتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ: ﴿وجَعَلْنا﴾ بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿فِي الأرْضِ﴾ جِبالًا ﴿رَواسِيَ﴾ أيْ ثَوابِتَ، كَراهَةَ ﴿أنْ تَمِيدَ بِهِمْ﴾ وتَضْطَرِبَ فَتُهْلِكَ المِياهُ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ فَيَعُودَ نَفْعُها ضُرًّا وخَيْرُها شَرًّا. ولَمّا كانَ المُرادُ مِنَ المَراسِي الشِّدَّةَ والحُزُونَةَ لِتَقْوى عَلى الثَّباتِ والتَّثْبِيتِ، وكانَ ذَلِكَ مُقْتَضِيًا لِإبْعادِها وحِفْظِها عَنِ [الذِّلَّةِ -] واللُّيُونَةِ، بَيَّنَ أنَّهُ أخْرَقَ فِيها العادَةَ لِيُعْلَمَ أنَّهُ قادِرٌ مُخْتارٌ لِكُلِّ ما يُرِيدُ فَقالَ: ﴿وجَعَلْنا﴾ بِما لَنا مِنَ القُدْرَةِ الباهِرَةِ والحِكْمَةِ البالِغَةِ ﴿فِيها﴾ أيِ الجِبالِ مَعَ حُزُونَتِها ﴿فِجاجًا﴾ أيْ مَسالِكَ واسِعَةً سَهْلَةً؛ ثُمَّ أبْدَلَ مِنها قَوْلَهُ: ﴿سُبُلا﴾ أيْ مُذَلَّلَةً لِلسُّلُوكِ، ولَوْلا ذَلِكَ لَتَعَسَّرَ أوْ تَعَذَّرَ الوُصُولُ إلى بَعْضِ البِلادِ ﴿لَعَلَّهم يَهْتَدُونَ﴾ إلى مَنافِعِهِمْ في دِيارِهِمْ وغَيْرِها، وإلى ما فِيها مِن دَلائِلِ الوَحْدانِيَّةِ وغَيْرِها فَيَعْلَمُوا أنَّ وُجُودَها لَوْ كانَ بِالطَّبِيعَةِ كانَتْ عَلى نَمَطٍ واحِدٍ مُساوِيَةً لِلْأرْضِ مُتَساوِيَةً في الوَصْفِ، وأنَّ كَوْنَها عَلى غَيْرِ ذَلِكَ دالٌّ عَلى أنَّ صانِعَها قادِرٌ مُخْتارٌ مُتَفَرِّدٌ بِأوْصافِ الكَمالِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب