الباحث القرآني
(p-٣٧٨)سُورَةُ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ
مَقْصُودُها الِاسْتِدْلالُ عَلى تَحَقُّقِ السّاعَةِ وقُرْبِها ولَوْ بِالمَوْتِ، ووُقُوعِ الحِسابِ فِيها عَلى الجَلِيلِ والحَقِيرِ، لِأنَّ مُوجِدَها لا شَرِيكَ لَهُ يَعُوقُهُ عَنْها، وهو مَن لا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيْهِ، والدّالُّ عَلى ذَلِكَ أوْضَحَ دَلالَةٍ مَجْمُوعُ قِصَصِ جَماعَةٍ مِمَّنْ ذُكِرَ فِيها مِنَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، ولا يَسْتَقِلُّ قِصَّةٌ مِنها اسْتِقْلالًا ظاهِرًا بِجَمِيعِ ذَلِكَ كَما سَنُبَيِّنُ، ولا يَخْلُو قِصَّةٌ مِن قِصَصِهِمْ مِن دَلالَةٍ عَلى شَيْءٍ مِن ذَلِكَ فَنُسِبَتْ إلى الكُلِّ - واللَّهُ المُوَفِّقُ.
سُورَةُ الأنْبِياءِ بِسْمَ الحَكِيمِ العَدْلِ الَّذِي تَمَّتْ قُدْرَتُهُ وعَمَّ أمْرُهُ الله المَلِكِ الَّذِي لا كُفْؤَ لَهُ الرَّحْمَن الَّذِي ساوى بَيْنَ خَلْقِهِ في رَحْمَةِ إيجادِهِ الرَّحِيم الَّذِي يُنْجِي مَن شاءَ مِن عِبادِهِ في مَعادِهِ.
* * *
لَمّا خُتِمَتْ طَهَ بِإنْذارِهِمْ بِأنَّهم سَيَعْلَمُونَ الشَّقِيَّ والسَّعِيدَ، وكانَ هَذا العِلْمُ تارَةً يَكُونُ في الدُّنْيا بِكَشْفِ الحِجابِ بِالإيمانِ، وتارَةً بِمُعايَنَةِ ظُهُورِ الدِّينِ وتارَةً بِإحْلالِ العَذابِ بِإزْهاقِ الرُّوحِ بِقَتْلٍ أوْ غَيْرِهِ، وتارَةً بِبَعْثِها يَوْمَ الدِّينِ، افْتُتِحَتْ هَذِهِ بِأجْلى ذَلِكَ وهو اليَوْمُ الَّذِي (p-٣٧٩)يَتِمُّ فِيهِ كَشْفُ الغِطاءِ فَيَنْتَقِلُ فِيهِ الخَبَرُ مِن عِلْمِ اليَقِينِ إلى عَيْنِ اليَقِينِ وحَقِّ اليَقِينِ وهو يَوْمُ الحِسابِ، فَقالَ تَعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنّاسِ﴾ أيْ عامَّةً أنْتُمْ وغَيْرُكم ﴿حِسابُهُمْ﴾ أيْ في يَوْمِ القِيامَةِ؛ وأشارَ بِصِيغَةِ الِافْتِعالِ إلى مَزِيدِ القُرْبِ لِأنَّهُ لا أُمَّةَ بَعْدَ هَذِهِ يُنْتَظَرُ أمْرُها، وأخَّرَ الفاعِلَ تَهْوِيلًا لِتَذْهَبَ النَّفْسُ في تَعْيِينِهِ كُلَّ مَذْهَبٍ، ويَصِحُّ أنْ يُرادَ بِالحِسابِ الجَزاءُ، فَيَكُونَ ذَلِكَ تَهْدِيدًا بِيَوْمِ بَدْرٍ والفَتْحِ ونَحْوِهِما، ويَكُونَ المُرادُ بِالنّاسِ حِينَئِذٍ قُرَيْشًا أوْ جَمِيعَ العَرَبِ، والحِسابُ: إحْصاءُ الشَّيْءِ والمُجازاةُ عَلَيْهِ بِخَيْرٍ أوْ شَرٍّ ﴿وهُمْ﴾ أيِ الحالُ أنَّهم مِن أجْلِ ما في جِبِلّاتِهِمْ مِنَ النَّوْسِ، وهو الِاضْطِرابُ المُوجِبُ لِعَدَمِ الثَّباتِ عَلى حالَةِ الأمْنِ، أنْقَذَهُ اللَّهُ مِنهم مِن هَذا النَّقْصِ وهم قَلِيلٌ جِدًّا ﴿فِي غَفْلَةٍ﴾ فَهي تَعْلِيلٌ لِآخِرِ تِلْكَ عَلى ما تَراهُ، لِأنَّهم إذا نُشِرُوا عَلِمُوا، وإذا أبادَتْهُمُ الوَقائِعُ عَلِمُوا هم بِالمَوْتِ، ومَن بَقِيَ مِنهم بِالذُّلِّ المُزِيلِ لِشَماخَةِ الكِبْرِ، أهْلَ الحَقِّ مِن [أهْلِ -] الباطِلِ، وقَوْلُهُ: ﴿مُعْرِضُونَ﴾ كالتَّعْلِيلِ لِلْغَفْلَةِ، أيْ أحاطَتْ بِهِمُ الغَفْلَةُ بِسَبَبِ إعْراضِهِمْ عَمّا يَأْتِيهِمْ مِنّا، وسَيَأْتِي ما [يُؤَيِّدُ -] هَذا في قَوْلِهِ آخِرَها ﴿بَلْ كُنّا ظالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٩٧] وإلّا فالعُقُولُ قاضِيَةٌ بِأنَّهُ لا بُدَّ مِن جَزاءِ المُحْسِنِ والمُسِيءِ.
وقالَ الإمامُ أبُو جَعْفَرِ [بْنُ -] الزُّبَيْرِ في بُرْهانِهِ: لَمّا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (p-٣٨٠)سُبْحانَهُ ﴿لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ [الحجر: ٨٨] - إلى قَوْلِهِ - ﴿فَسَتَعْلَمُونَ مَن أصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ ومَنِ اهْتَدى﴾ [طه: ١٣٥] قالَ تَعالى ﴿اقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهم وهم في غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ أيْ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى ذَلِكَ فَإنِّي جَعَلْتُهُ فِتْنَةً لِمَن نالَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، ونَسْألُ عَنْ قَلِيلِ ذَلِكَ وكَثِيرِهِ ﴿ثُمَّ لَتُسْألُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ [التكاثر: ٨] والأمْرُ قَرِيبٌ ﴿اقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ﴾ وأيْضًا فَإنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ ﴿وتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾ [مريم: ٩٧] وهُمُ الشَّدِيدُو الخُصُومَةِ في الباطِلِ، [ثُمَّ -] قالَ ﴿وكَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهم مِن قَرْنٍ﴾ [مريم: ٩٨] إلى آخِرِها، اسْتَدْعَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ بَسْطَ حالٍ، فابْتُدِئَتْ بِتَأْنِيسِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وتَسْلِيَتِهِ، حَتّى لا يَشُقَّ عَلَيْهِ لَدَدُهُمْ، فَتَضَمَّنَتْ سُورَةُ طَهَ مِن هَذا الغَرَضِ بِشارَتَهُ بِقَوْلِهِ ﴿ما أنْـزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقى﴾ [طه: ٢] وتَأْنِيسَهُ بِقِصَّةِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وما كانَ مِن حالِ بَنِي إسْرائِيلَ وانْتِهاءِ أمْرِ فِرْعَوْنَ ومُكابَدَةِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لِرَدِّ فِرْعَوْنَ ومُرْتَكَبِهِ إلى أنْ وقَصَهُ اللَّهُ، وأهْلَكَهُ، وأوْرَثَ عِبادَهُ أرْضَهم ودِيارَهُمْ، ثُمَّ أُتْبِعَتْ بِقِصَّةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِيَرى نَبِيُّهُ ﷺ سُنَّتَهُ في عِبادِهِ حَتّى أنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وإنْ لَمْ يَكُنِ امْتِحانُهُ بِذُرِّيَّتِهِ ولا مُكابَدَتِهِ مِن أبْناءِ جِنْسِهِ - فَقَدْ كابَدَ مِن إبْلِيسَ ما قَصَّهُ اللَّهُ في كِتابِهِ، وكُلُّ هَذا تَأْنِيسٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَإنَّهُ إذا تَقَرَّرَ لَدَيْهِ أنَّهُ سُنَّةُ اللَّهِ تَعالى في عِبادِهِ هانَ عَلَيْهِ لَدَدُ قُرَيْشٍ (p-٣٨١)ومُكابَدَتُهُمْ، ثُمَّ ابْتُدِئَتْ سُورَةُ الأنْبِياءِ بِبَقِيَّةِ هَذا التَّأْنِيسِ، فَبَيْنَ اقْتِرابِ الحِسابِ ووُقُوعِ يَوْمِ الفَصْلِ المَحْمُودِ فِيهِ ثَمَرَةُ ما كُوبِدَ في ذاتِ اللَّهِ والمُتَمَنّى فِيهِ أنْ لَوْ كانَ ذَلِكَ أكْثَرَ والمَشَقَّةُ أصْعَبَ لِجَلِيلِ الثَّمَرَةِ وجَمِيلِ الجَزاءِ، ثُمَّ أتْبَعَ ذَلِكَ سُبْحانَهُ بِعِظاتٍ، ودَلائِلَ وبَسْطِ آياتٍ، وأعْلَمَ أنَّهُ سُبْحانَهُ قَدْ سَبَقَتْ سُنَّتُهُ بِإهْلاكِ مَن لَمْ يَكُنْ مِنهُ الإيمانُ مِن مُتَقَدِّمِي القُرُونِ وسالِفِي الأُمَمِ
﴿ما آمَنَتْ قَبْلَهم مِن قَرْيَةٍ أهْلَكْناها﴾ [الأنبياء: ٦] وفي قَوْلِهِ ﴿أفَهم يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء: ٦] تَعْزِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ في أمْرِ قُرَيْشٍ ومِن قَبْلِ ما الكَلامُ بِسَبِيلِهِ، وقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ السُّورَةُ إلى ابْتِداءِ قِصَّةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ المَواعِظِ والتَّنْبِيهِ عَلى الدَّلالاتِ وتَحْرِيكِ العِبادِ إلى الِاعْتِبارِ بِها ما يُعْقِبُ لِمَنِ اعْتَبَرَ بِهِ التَّسْلِيمَ والتَّفْوِيضَ لِلَّهِ سُبْحانَهُ والصَّبْرَ عَلى الِابْتِلاءِ وهو مِن مَقْصُودِ السُّورَةِ، وفي قَوْلِهِ ﴿ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الوَعْدَ فَأنْجَيْناهم ومَن نَشاءُ وأهْلَكْنا المُسْرِفِينَ﴾ [الأنبياء: ٩] إجْمالٌ لِما فَسَّرَهُ النِّصْفُ الأخِيرُ مِن هَذِهِ السُّورَةِ مِن تَخْلِيصِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مِن قَوْمِهِمْ وإهْلاكِ مَن أسْرَفَ [وأفِكَ -] ولَمْ يُؤْمِن، وفي ذِكْرِ تَخْلِيصِ الرُّسُلِ وتَأْيِيدِهِمُ الَّذِي تَضَمَّنَهُ النِّصْفُ الأخِيرُ مِن لَدُنْ قَوْلِهِ ﴿ولَقَدْ آتَيْنا إبْراهِيمَ رُشْدَهُ﴾ [الأنبياء: ٥١] إلى آخِرِ السُّورَةِ كَمالُ الغَرَضِ المُتَقَدِّمِ مِنَ التَّأْنِيسِ ومُلاءَمَةِ ما تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ طَهَ، وتَفْسِيرٌ لِمُجْمَلِ ﴿وكَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهم مِن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنهم (p-٣٨٢)مِن أحَدٍ أوْ تَسْمَعُ لَهم رِكْزًا﴾ [مريم: ٩٨] [انْتَهى-] .
{"ayah":"ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِی غَفۡلَةࣲ مُّعۡرِضُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











