الباحث القرآني

ولَمّا كانَ فِعْلُهُ هَذا مُفَرِّقًا لِبَنِي إسْرائِيلَ عَنْ طَرِيقِ الحَقِّ (p-٣٣٦)الَّتِي كانُوا عَلَيْها، وجامِعًا لَهم عَلى تِمْثالِ حَيَوانٍ هو مِن أخَسِّ الحَيَواناتِ، وعَلى نَفْسِهِ بِكَوْنِهِ صارَ مَتْبُوعًا في ذَلِكَ الضَّلالِ، لِكَوْنِهِ كانَ سَبَبَهُ، عُوقِبَ بِالنَّفْرَةِ مِنَ الإنْسانِ الَّذِي هو أشْرَفُ الحَيَوانِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِضِدِّ ما تَسَبَّبَ عَنْ فِعْلِهِ، فَيُعاقَبُ بِالدُّنْيا بِعُقُوبَةٍ لا شَيْءَ أشَدُّ مِنها وذَلِكَ أنَّهُ مُنِعَ مِن مُخالَطَةِ النّاسِ مَنعًا كُلِّيًّا فَلا يَتَّصِلُ بِأحَدٍ ولا يَتَّصِلُ بِهِ أحَدٌ، بَلْ يَكُونُ وحِيدًا طَرِيدًا ما دامَ حَيًّا، فَلِذَلِكَ اسْتُؤْنِفَ الإخْبارُ عَنْ هَذا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالَ﴾ أيْ لَهُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿فاذْهَبْ﴾ أيْ تَسَبَّبَ عَنْ فِعْلِكَ أنِّي أقُولُ لَكَ: اذْهَبْ [مِن بَيْنِنا، أوْ -] حَيْثُ ذَهَبْتَ ﴿فَإنَّ لَكَ في الحَياةِ﴾ أيْ ما دُمْتَ حَيًّا ﴿أنْ تَقُولَ﴾ لِكُلِّ مَن رَأيْتَهُ: ﴿لا مِساسَ﴾ أيْ لا تَمَسُّنِي ولا أمَسُّكَ، فَلا تَقْدِرُ أنْ تَنْفَكَّ عَنْ ذَلِكَ لِإرادَةِ الإلَهِ الحَقِّ ذَلِكَ بِكَ وتَرْغِيبِكَ فِيهِ - بِما أفادَتْهُ اللّامُ، لِتَعْلَمَ أنْتَ ومَن تَبِعَكَ أنَّكم كُنْتُمْ عَلى أعْظَمِ ضَلالٍ في تَرْكِ القادِرِ عَلى كُلِّ شَيْءٍ، واتِّباعِ ما لا قُدْرَةَ لَهُ عَلى شَيْءٍ ﴿وإنَّ لَكَ﴾ بَعْدَ المَماتِ ﴿مَوْعِدًا﴾ لِلثَّوابِ إنْ تُبْتَ، ولِلْعِقابِ إنْ أبَيْتَ (p-٣٣٧)﴿لَنْ تُخْلَفَهُ﴾ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ ولِلْمَفْعُولِ، أيْ لا يَكُونُ خَلْفَكَ ولا تَكُونُ أنْتَ خَلْفَهُ، بَلْ يَكُونُ كُلٌّ مِنكُما مُواجِهًا لِصاحِبِهِ، لا انْفِكاكَ لَهُ عَنْهُ، كَما أنَّكَ في الحَياةِ لا تَقْدِرُ أنْ تَنْفَكَّ عَنِ النَّفْرَةِ مِنَ النّاسِ، فاخْتَرْ لِنَفْسِكَ ما يَحْلُو. ولَمّا ذَكَرَ ما لِلْإلَهِ الحَقِّ مِنَ القُدْرَةِ التّامَّةِ في الدّارَيْنِ، أتْبَعَهُ عَجْزَ العِجْلِ فَقالَ: ﴿وانْظُرْ إلى إلَهِكَ﴾ أيْ بِزَعْمِكَ ﴿الَّذِي ظَلْتَ﴾ أيْ دُمْتَ [فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ جِدًّا - بِما أشارَ إلَيْهِ تَخْفِيفُ التَّضْعِيفِ -] ﴿عَلَيْهِ عاكِفًا﴾ أيْ مُقْبِلًا مُقارِبًا مُواظِبًا [جَهارًا -] ﴿لَنُحَرِّقَنَّهُ﴾ أيْ بِالنّارِ وبِالمِبْرَدِ - كَما سَلَفَ عَنْ نَصِّ التَّوْراةِ، وكانَ مَعْنى ذَلِكَ أنَّهُ أحْماهُ حَتّى لانَ فَهانَ عَلى المَبارِدِ ﴿ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ﴾ أيْ لَنُذَرِّيَنَّهُ [إذا صارَ سُحالَةً -] ﴿فِي اليَمِّ﴾ أيِ البَحْرِ الَّذِي [أغْرَقَ اللَّهُ فِيهِ آلَ فِرْعَوْنَ و-] هو أهْلٌ لِأنْ يُقْصَدَ [فَيَجْمَعُ اللَّهُ سُحالَتَهُ الَّتِي هي مِن حُلِيِّهِمْ وأمْوالِهِمْ فَيُحْمِيها في نارِ جَهَنَّمَ ويَكْوِيهِمْ ويَجْعَلُها مِن أشَدِّ العَذابِ عَلَيْهِمْ، وأكَّدَ الفِعْلَ إظْهارًا لِعَظَمَةِ اللَّهِ الَّذِي أمَرَهُ بِذَلِكَ، وتَحْقِيقًا لِلصِّدْقِ في الوَعْدِ فَقالَ -]: ﴿نَسْفًا﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب