الباحث القرآني

﴿قالَ﴾ الرَّبُّ سُبْحانَهُ: ﴿فَإنّا﴾ أيْ [قَدْ -] تَسَبَّبَ عَنْ عَجَلَتِكَ عَنْهم أنّا ﴿قَدْ فَتَنّا﴾ أيْ خالَطْنا بِعَظَمَتِنا مُخالَطَةً مُمِيلَةً مُحِيلَةً ﴿قَوْمَكَ﴾ بِتَعَجُّلِكَ. ولَمّا كانَتِ الفِتْنَةُ لَمْ تَسْتَغْرِقْ جَمِيعَ الزَّمَنِ الَّذِي كانَ بَعْدَهُ، وإنَّما كانَتْ في بَعْضِهِ، أدْخَلَ الجارَّ فَقالَ: ﴿مِن بَعْدِكَ﴾ [أيْ خالَطْناهم بِأمْرٍ مِن أمْرِنا مُخالَطَةً أحالَتْهم عَمّا عَهِدْتَهم عَلَيْهِ -]، وكانَ ذَلِكَ بَعْدَ تَمامِ المُدَّةِ الَّتِي ضَرَبْتَها لَهُمْ، وهي الثَّلاثُونَ بِالفِعْلِ وبِالقُوَّةِ فَقَطْ، مِن أوَّلِ ما فارَقْتَهم [بِضَرْبِكَ لِتِلْكَ المُدَّةِ -] [بِاعْتِبارِ أنَّ أوَّلَ إتْيانِكَ -] هو الَّذِي كانَ سَبَبَ الفِتْنَةِ لِزِيادَةِ أيّامِ الغَيْبَةِ بِسَبَبِهِ لِأنّا زِدْنا في آخِرِ المُدَّةِ بِمِقْدارِ ما عَجِلْتَ بِهِ في أوَّلِها، فَلَمّا تَأخَّرَ رُجُوعُكَ إلَيْهِمْ حَصَلَ لَهُمُ الفُتُونُ بِالفِعْلِ، فَظَنُّوا مُرَجَّماتِ الظُّنُونِ. ولَمّا عَمَّتْهُمُ الفِتْنَةُ إلّا اثْنَيْ عَشَرَ ألْفًا مِن أكْثَرَ مِن سِتِّمِائَةِ ألْفٍ، (p-٣٢٤)أطْلَقَ الضَّلالَ عَلى الكُلِّ فَقالَ: ﴿وأضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ﴾ أيْ عَنْ طَرِيقِ الرُّشْدِ بِما سَبَّبَ لَهُمْ؟ رَوى النَّسائِيُّ في التَّفْسِيرِ مِن سُنَنِهِ، وأبُو يَعْلى في مُسْنَدِهِ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ في تَفْسِيرَيْهِما عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما في حَدِيثِ الفُتُونِ أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا وعَدَهُ رَبُّهُ أنْ يُكَلِّمَهُ اسْتَخْلَفَ عَلى قَوْمِهِ أخاهُ هارُونَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وأجَّلَهم ثَلاثِينَ يَوْمًا، وذَهَبَ فَصامَها لَيْلَها ونَهارَها، ثُمَّ كَرِهَ أنْ يُكَلِّمَ رَبَّهُ ورِيحُ فَمِهِ مُتَغَيِّرٌ، فَمَضَغَ شَيْئًا مِن نَباتِ الأرْضِ فَقالَ لَهُ رَبُّهُ: أوَما عَلِمْتَ أنَّ رِيحَ الصّائِمِ أطْيَبُ مِن رِيحِ المِسْكِ؟ ارْجِعْ فَصُمْ عَشْرًا، فَلَمّا رَأى قَوْمُ مُوسى أنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِمْ ساءَهم ذَلِكَ، وكانَ هارُونُ قَدْ خَطَبَهم وقالَ: إنَّكم خَرَجْتُمْ مِن مِصْرَ، ولِقَوْمِ فِرْعَوْنَ عِنْدَكم عَوارٍ ووَدائِعُ، ولَكم فِيها مِثْلُ ذَلِكَ، وأنا أرى أنْ تَحْسُبُوا ما لَكم عِنْدَهُمْ، ولا أُحِلُّ لَكم ودِيعَةً اسْتُودِعْتُمُوها ولا عارِيَةً، ولَسْنا بِرادِّينَ إلَيْهِمْ شَيْئًا مِن ذَلِكَ ولا مُمْسِكِيهِ لِأنْفُسِنا، فَحَفَرَ حَفِيرًا وأمَرَ كُلَّ قَوْمٍ عِنْدَهم مِن ذَلِكَ مِن مَتاعٍ أوْ حِلْيَةٍ أنْ يَقْذِفُوهُ في ذَلِكَ الحَفِيرِ، ثُمَّ أوْقَدَ النّارَ فَأحْرَقَهُ (p-٣٢٥)فَقالَ: لا يَكُونُ لَنا ولا لَهُمْ، وكانَ السّامِرِيُّ مِن قَوْمٍ يَعْبُدُونَ البَقَرَ، جِيرانٍ لِبَنِي إسْرائِيلَ ولَمْ يَكُنْ مِن بَنِي إسْرائِيلَ، فاحْتَمَلَ مَعَ مُوسى وبَنِي إسْرائِيلَ حِينَ احْتَمَلُوا، فَقُضِيَ لَهُ أنْ رَأى أثَرًا فَقَبَضَ مِنهُ [قَبْضَةً -] فَمَرَّ بِهارُونَ فَقالَ لَهُ هارُونُ عَلَيْهِ السَّلامُ: يا سامِرِيُّ! ألا تُلْقِي ما في يَدِكَ - وهو قابِضٌ عَلَيْهِ لا يَراهُ أحَدٌ طَوالَ ذَلِكَ اليَوْمِ، فَقالَ هَذِهِ قَبْضَةٌ مِن أثَرِ الرَّسُولِ الَّذِي جاوَزَ بِكُمُ البَحْرَ، [و -]لا أُلْقِيها لِشَيْءٍ إلّا أنْ تَدْعُوَ اللَّهَ إذا ألْقَيْتُها أنْ يَكُونَ ما أُرِيدُ، فَألْقاها ودَعا لَهُ هارُونُ، فَقالَ: أُرِيدُ أنْ يَكُونَ عِجْلًا، فاجْتَمَعَ ما كانَ في الحُفْرَةِ مِن مَتاعٍ أوْ حِلْيَةٍ أوْ نُحاسٍ أوْ حَدِيدٍ، فَصارَ عِجْلًا أجْوَفَ لَيْسَ فِيهِ الرُّوحُ، لَهُ خُوارٌ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: لا واللَّهِ! ما كانَ لَهُ صَوْتٌ قَطُّ، إنَّما كانَتِ الرِّيحُ تَدْخُلُ في دُبُرِهِ فَتَخْرُجُ مِن فِيهِ، فَكانَ ذَلِكَ الصَّوْتُ مِن ذَلِكَ، فَتَفَرَّقَ بَنُو إسْرائِيلَ فِرَقًا، فَقالَتْ فِرْقَةٌ: يا سامِرِيُّ! ما هَذا وأنْتَ أعْلَمُ بِهِ؟ قالَ: هَذا رَبُّكُمْ، ولَكِنَّ مُوسى أُضِلَّ الطَّرِيقَ، فَقالَتْ فِرْقَةٌ: لا نُكَذِّبُ بِهَذا حَتّى يَرْجِعَ إلَيْنا مُوسى. فَإنْ كانَ رَبَّنا لَمْ نَكُنْ ضَيَّعْناهُ وعَجَزْنا فِيهِ حِينَ رَأيْناهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ رَبَّنا فَإنّا نَتَّبِعُ مُوسى، وقالَتْ فِرْقَةٌ: هَذا عَمَلُ الشَّيْطانِ، ولَيْسَ بِرَبِّنا، ولَنْ نُؤْمِنَ (p-٣٢٦)بِهِ ولَنْ نُصَدِّقَ، وأُشْرِبَ فِرْقَةٌ في قُلُوبِهِمُ الصِّدْقَ بِما قالَ السّامِرِيُّ في العِجْلِ وأعْلَنُوا التَّكْذِيبَ بِهِ - الحَدِيثُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب