الباحث القرآني

ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أنِ اقْذِفِيهِ﴾ أيْ ألْقِي ابْنَكِ ﴿فِي التّابُوتِ﴾ وهو الصُّنْدُوقُ، فَعْلُوتٌ مِنَ التَّوْبِ الَّذِي مَعْناهُ الرُّجُوعُ تَفاؤُلًا بِهِ، وقالَ الحَرالِّيُّ: هو وِعاءُ ما يَعُزُّ قَدْرُهُ، والقَذْفُ مَجازٌ عَنِ المُسارَعَةِ إلى وضْعِهِ مِن غَيْرِ تَمَهُّلٍ لِشَيْءٍ أصْلًا، إشارَةً إلى أنَّهُ فِعْلٌ مَضْمُونُ السَّلامَةِ كَيْفَ ما كانَ، والتَّعْرِيفُ لِأنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الصَّنادِيقِ أشَدُّ النّاسِ مَعْرِفَةً بِهِ بَنُو إسْرائِيلَ ﴿فاقْذِفِيهِ﴾ أيْ (p-٢٨٧)[مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ -]عَقِبَ ذَلِكَ بِتابُوتِهِ، أوِ التّابُوتِ الَّذِي فِيهِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿فِي اليَمِّ﴾ أيِ البَحْرِ وهو النِّيلُ. ولَمّا كانَتْ سَلامَتُهُ في البَحْرِ مِنَ العَجائِبِ، لِتَعَرُّضِهِ لِلْغَرَقِ بِقَلْبِ الرِّيحِ لِلتّابُوتِ، أوْ بِكَسْرِهِ في بَعْضِ الجُدُرِ أوْ غَيْرِها، أوْ بِجَرْيِهِ مُسْتَقِيمًا مَعَ أقْوى جَرْيَةٍ مِنَ الماءِ إلى البَحْرِ المِلْحِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآفاتِ، أشارَ إلى تَحَتُّمِ تَنْجِيَتِهِ بِلامِ الأمْرِ عِبارَةً عَنْ مَعْنى الخَبَرِ في قَوْلِهِ، جاعِلًا البَحْرَ كَأنَّهُ ذُو تَمْيِيزٍ لِيُطِيعَ الأمْرَ: ﴿فَلْيُلْقِهِ﴾ أيِ التّابُوتَ الَّذِي فِيهِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أوْ مُوسى بِتابُوتِهِ ﴿اليَمُّ بِالسّاحِلِ﴾ أيْ شاطِئِ النِّيلِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأنَّ الماءَ يَسْحَلُهُ، أيْ يَنْشُرُهُ إلى جانِبِ البَيْتِ الَّذِي الفِعْلُ كُلُّهُ هَرَبًا مِن شَرِّ صاحِبِهِ، وهو فِرْعَوْنُ، وهو المُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَأْخُذْهُ﴾ جَوابًا لِلْأمْرِ، أيْ مُوسى ﴿عَدُوٌّ لِي﴾ ونَبَّهَ عَلى مَحَلِّ العَجَبِ بِإعادَةِ لَفْظِ العَدُوِّ في قَوْلِهِ: ﴿وعَدُوٌّ لَهُ﴾ فَإنَّهُ ما عادى بَنِي إسْرائِيلَ بِالتَّذْبِيحِ إلّا مِن أجْلِهِ ﴿وألْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً﴾ أيْ عَظِيمَةً؛ ثُمَّ زادَ الأمْرَ في تَعْظِيمِها إيضاحًا بِقَوْلِهِ: ﴿مِنِّي﴾ [أيْ -] لِيُحِبَّكَ كُلُّ مَن رَآكَ لِما جَبَلْتُكَ عَلَيْهِ مِنَ الخِلالِ الحَمِيدَةِ، والشِّيَمِ السَّدِيدَةِ، لِتَكُونَ أهْلًا لِما أُرِيدُكَ لَهُ ﴿ولِتُصْنَعَ﴾ أيْ تُرَبّى بِأيْسَرِ أمْرِ تَرْبِيَةٍ بِمَن هو مُلازِمٌ لَكَ لا يَنْفَكُّ عَنِ الاعْتِناءِ بِمَصالِحِكَ عِنايَةً شَدِيدَةً ﴿عَلى عَيْنِي﴾ أيْ مُسْتَعْلِيًا عَلى حافِظِيكَ غَيْرَ مُسْتَخْفٍ (p-٢٨٨)فِي تَرْبِيَتِكَ مِن أحَدٍ ولا مَخُوفٍ عَلَيْكَ مِنهُ، وأنا حافِظٌ لَكَ حِفْظَ مَن يُلاحِظُ الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ لا يَغِيبُ عَنْها، فَكانَ كُلُّ ما أرَدْتُهُ، فَلَمّا رَآكَ هَذا العَدُوُّ أحَبَّكَ وطَلَبَ لَكَ المَراضِعَ، فَلَمّا [لَمْ -] تَقْبَلْ واحِدَةً مِنهُنَّ بالَغَ في الطَّلَبِ، كُلُّ ذَلِكَ إمْضاءً لِأمْرِي وإيقافًا لِأمْرِهِ بِهِ نَفْسِهِ لا بِغَيْرِهِ لِيَزْدادَ العَجَبُ مِن إحْكامِ السَّبَبِ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب