الباحث القرآني

ولَمّا كانَتْ - لِما تَقَدَّمَ - في حُكْمِ المَنسِيِّ عِنْدَ أغْلَبِ النّاسِ قالَ: ﴿فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها﴾ أيْ إدامَةِ ذِكْرِها لِيُثْمِرَ التَّشْمِيرَ في الِاسْتِعْدادِ لَها ﴿مَن لا يُؤْمِنُ بِها﴾ بِإعْراضِهِ عَنْها وحَمْلِهِ غَيْرَهُ عَلى ذَلِكَ بِتَزْيِينِهِ بِما أُوتِيَ مِنَ المَتاعِ المُوجِبِ لِلْمُكاثَرَةِ المُثْمِرَةِ لِامْتِلاءِ القَلْبِ بِالمُباهاةِ والمُفاخَرَةِ، فَإنَّ مَنِ انْصَدَّ عَنْ ذَلِكَ غَيْرُ بَعِيدِ الحالِ مِمَّنْ كَذَّبَ بِها، (p-٢٧٩)والمَقْصُودُ مِنَ العِبارَةِ نَهْيُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ عَنِ التَّكْذِيبِ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِنَهْيِ مَن لا يُؤْمِنُ عَنِ الصَّدِّ إجْلالًا لِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، ولِأنَّ [صَدَّ -] الكافِرِ عَنِ التَّصْدِيقِ سَبَبٌ لِلتَّكْذِيبِ فَذَكَرَ السَّبَبَ لِيَدُلَّ عَلى المُسَبَّبِ، ولِأنَّ صَدَّ الكافِرِ مُسَبَّبٌ عَنْ رَخاوَةِ الرَّجُلِ في الدِّينِ ولِينِ شَكِيمَتِهِ فَذَكَرَ المُسَبَّبَ لِيَدُلَّ عَلى السَّبَبِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: كُنْ شَدِيدَ الشَّكِيمَةِ صَلِيبَ المُعْجَمِ، لِئَلّا يَطْمَعَ أحَدٌ في صَدِّكَ وإنْ كانَ الصّادُّ هُمُ الجَمَّ الغَفِيرَ، فَإنَّ كَثْرَتَهم تَصِلُ إلى الهَوى لا إلى البُرْهانِ، وفي هَذا حَثٌّ عَظِيمٌ عَلى العَمَلِ بِالدَّلِيلِ، وزَجْرٌ بَلِيغٌ عَنِ التَّقْلِيدِ، وإنْذارٌ بِأنَّ الهَلاكَ والرَّدى مَعَ التَّقْلِيدِ وأهْلِهِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الكَشّافُ. ثُمَّ بَيَّنَ العِلَّةَ في التَّكْذِيبِ بِها والكَسَلِ عَنِ التَّشْمِيرِ لَها بِقَوْلِهِ: ﴿واتَّبَعَ﴾ أيْ بِغايَةِ جُهْدِهِ ﴿هَواهُ﴾ فَكانَ حالُهُ حالَ البَهائِمِ الَّتِي لا عَقْلَ لَها، تَنْفِيرًا عَنْ مِثْلِ حالِهِ؛ ثُمَّ أعْظَمَ التَّحْذِيرَ بِقَوْلِهِ [مُسَبِّبًا -]: ﴿فَتَرْدى﴾ أيْ فَتَهْلِكُ، إشارَةً إلى أنَّ مَن تَرَكَ المُراقَبَةَ لَحْظَةً حادَ عَنِ الدَّلِيلِ، ومَن حادَ عَنِ الدَّلِيلِ هَلَكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب