الباحث القرآني

ولَمّا عَلِمَ بِهَذا أنَّ إيمانَهم كالمُمْتَنِعِ، وجِدالَهم لا يَنْقَطِعُ، بَلْ إنْ جاءَهُمُ الهُدى طَعَنُوا فِيهِ، وإنْ عُذِّبُوا قَبْلَهُ تَظَلَّمُوا، كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: فَما الَّذِي أفْعَلُ مَعَهُمْ؟ فَقالَ: ﴿قُلْ كُلٌّ﴾ أيْ مِنِّي ومِنكم ﴿مُتَرَبِّصٌ﴾ أيْ مُنْتَظِرٌ حُسْنَ عاقِبَةِ أمْرِهِ ودَوائِرَ الزَّمانِ عَلى عَدُوِّهِ ﴿فَتَرَبَّصُوا﴾ فَإنَّكم كالبَهائِمِ لَيْسَ لَكم تَأمُّلٌ، ولا تُجَوِّزُونَ (p-٣٧٧)الجائِزَ إلّا عِنْدَ وُقُوعِهِ ﴿فَسَتَعْلَمُونَ﴾ أيْ عَمّا قَرِيبٍ بِوَعْدٍ لا خُلْفَ فِيهِ عِنْدَ كَشْفِ الغِطاءِ ﴿مَن أصْحابُ الصِّراطِ﴾ [أيِ الطَّرِيقِ الواضِحِ الواسِعِ-] ﴿السَّوِيِّ﴾ أيِ الَّذِي لا عِوَجَ فِيهِ ولا نُتُوَّ، فَهو مِن شَأْنِهِ أنْ يُوصِلَ إلى المَقاصِدِ. ولَمّا كانَ صاحِبُ الشَّيْءِ قَدْ لا يَكُونُ عالِمًا بِالشَّيْءِ ولا عامِلًا بِما يَعْلَمُ مِنهُ، قالَ ﴿ومَنِ اهْتَدى﴾ أيْ مِنَ الضَّلالَةِ فَحَصَلَ عَلى جَمِيعِ ما يَنْفَعُهُ واجْتَنَبَ جَمِيعَ ما يَضُرُّهُ، نَحْنُ أمْ أنْتُمْ؟ ولَقَدْ عَلِمُوا يَقِينًا ذَلِكَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ المُشَرَّفَةِ، واشْتَدَّ اغْتِباطُهم بِالإسْلامِ، ودَخَلُوا رَغْبَةً في الحِلْمِ والكَرَمِ، ورَهْبَةً مِنَ السَّيْفِ والنِّقَمِ، وكانُوا بَعْدَ ذَلِكَ يَعْجَبُونَ مِن تَوَقُّفِهِمْ عَنْهُ ونَفْرَتِهِمْ مِنهُ، وهَذا مَعْناهُ أنَّهُ ﷺ ومَنِ اتَّبَعَهُ هُمُ السُّعَداءُ الأغْنِياءُ الرّاضُونَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وهو عَيْنُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما أنْـزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقى﴾ [طه: ٢] فَقَدِ انْطَبَقَ الآخِرُ عَلى الأوَّلِ، ودَلَّ عَلى أنَّ العَظِيمَ يُعامِلُ بِالحِلْمِ فَلا يُعَجِّلُ - واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب