الباحث القرآني

ولَمّا قَدَّمَ في هَذِهِ السُّورَةِ ما ذَكَرَ مِن قِصَصِ الأوَّلِينَ وأخْبارِ (p-٣٧٤)الماضِينَ، مُبَكِّتًا بِذَلِكَ مِن أمْرِ قُرَيْشٍ بِالتَّعَنُّتِ مِنَ اليَهُودِ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلى إنْكارِ شَيْءٍ مِنهُ ولا تَوْجِيهِ طَعْنٍ إلَيْهِ، وخَلَّلَهُ بِبَدائِعِ الحِكَمِ، وغَرائِبِ المَواعِظِ في أرْشَقِ الكَلِمِ، وخَتَمَ ذَلِكَ بِأعْظَمِ داعٍ إلى التَّقْوى، عَجِبَ مِنهم في كَوْنِهِمْ لا يُذْعِنُونَ لِلْحَقِّ أنَفَةً مِنَ المُجاهَرَةِ بِالباطِلِ، أوْ خَوْفًا مِن سُوءِ العَواقِبِ، فَقالَ: ﴿وقالُوا﴾ ولَعَلَّهُ عَطَفَ عَلى ما يُقَدَّرُ في حَيِّزِ قَوْلِهِ: ﴿أفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ﴾ [طه: ١٢٨] إلى قَوْلِهِ: ﴿إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ﴾ [طه: ١٢٨] مِن أنْ يُقالَ: وقَدْ أبَوْا ذَلِكَ ولَمْ يَعُدُّوا شَيْئًا مِنهُ آيَةً: ﴿لَوْلا﴾ أيْ هَلّا ولِمَ لا ﴿يَأْتِينا﴾ [أيْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ -] ﴿بِآيَةٍ﴾ [أيْ مِثْلِ آياتِ الأوَّلِينَ-] ﴿مِن رَبِّهِ﴾ المُحْسِنِ إلَيْهِ، دالَّةٍ عَلى صِدْقِهِ. ولَمّا تَضَمَّنَ هَذا أنَّهم لَمْ يَعُدُّوا شَيْئًا مِن هَذِهِ البَيِّناتِ - الَّتِي أدْلى بِها عَلى مَن تَقَدَّمَهُ - آيَةً مُكابَرَةً، اسْتَحَقُّوا الإنْكارَ، فَقالَ: ﴿أوَلَمْ﴾ أيْ ألَمْ يَأْتِهِمْ مِنَ الآياتِ في هَذا القُرْآنِ مِمّا خَصَصْتُكَ بِهِ مِنَ الأحْكامِ والحِكَمِ في أبْلَغِ المَعانِي بِأرْشَقِ النُّظُومِ ما أعْجَزَ بُلَغاءَهُمْ، وأبْكَمَ فُصَحاءَهُمْ، فَدَلَّ قَطْعًا عَلى أنَّهُ كَلامِي، ﴿أوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما﴾ أيِ الأخْبارُ الَّتِي ﴿فِي الصُّحُفِ الأُولى﴾ مِن صُحُفِ إبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى وداوُدَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ والزَّبُورِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الكُتُبِ الإلَهِيَّةِ (p-٣٧٥)كَقِصَّتَيْ آدَمَ ومُوسى المَذْكُورَتَيْنِ في هَذِهِ السُّورَةِ وغَيْرِهِما مِمّا تَقَدَّمَ قَصُّهُ لَها كَما هي عِنْدَ أهْلِها عَلى وُجُوهٍ لا يَعْلَمُها إلّا قَلِيلٌ مِن حُذّاقِهِمْ مِن غَيْرِ أنْ يُخالِطَ عالِمًا مِنهم أوْ مِن غَيْرِهِمْ، ومِن غَيْرِ أنْ يَقْدِرَ أحَدٌ مِنهم عَلى مُعارَضَةِ ما أتى بِهِ في قِصَّتِها مِنَ النَّظْمِ المُنْتِجِ قَطْعًا أنَّهُ [لا -] مُعَلِّمَ لَهُ إلّا اللَّهَ المُرْسِلَ لَهُ، وأنَّ ما أتى بِهِ مِنها شاهِدٌ لِما في الصُّحُفِ الأُولى مِن ذَلِكَ بِالصِّدْقِ، لِأنَّهُ كَلامُ اللَّهِ، فَهو بَيِّنَةٌ عَلى غَيْرِهِ لِإعْجازِهِ، فَجَمِيعُ الكُتُبِ الإلَهِيَّةِ مُفْتَقِرَةٌ إلى شَهادَتِهِ افْتِقارَ المُحْتَجِّ عَلَيْهِ إلى شَهادَةِ الحُجَّةِ، ولا افْتِقارَ لَهُ بَعْدَ العَجْزِ عَنْهُ إلى شَيْءٍ أصْلًا، فَهو أعْظَمُ مِن آياتِ جَمِيعِ [الأنْبِياءِ -] اللّاتِي يَطْلُبُونَ مِثْلَها بِما لا يُقايَسُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب