الباحث القرآني
﴿فاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ﴾ لَكَ مِنَ الاسْتِهْزاءِ وغَيْرِهِ.
ولَمّا كانَ الصَّبْرُ شَدِيدًا عَلى النَّفْسِ مُنافِرًا لِلطَّبْعِ، لِأنَّ النَّفْسَ مَجْبُولَةٌ عَلى النَّقائِصِ، مَشْحُونَةٌ بِالوَسْواسِ، أمَرَ مِنهُ لِأجْلِ مَن يَحْتاجُ إلى الكَمالِ بِما يَنْهَضُ بِها مِن حَضِيضِ الجِسْمِ إلى أوْجِ الرُّوحِ بِمَقامَيِ (p-٣٦٧)التَّحَلِّي [بِالكَمالاتِ والتَّخَلِّي عَنِ الرُّعُوناتِ، وبَدَأ بِالأوَّلِ لِأنَّهُ العَوْنُ عَلى الثّانِي، وذَكَرَ أشْرَفَ الحَلْيِ -] فَقالَ: ﴿وسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ أيِ اشْتَغِلْ بِما يُنْجِيكَ مِن عَذابِهِ، ويُقَرِّبُكَ مِن جَنابِهِ، بِأنْ تُنَزِّهَ مَن أحْسَنَ إلَيْكَ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ، حالَ كَوْنِكَ حامِدًا لَهُ بِإثْباتِ كُلِّ كَمالٍ، وذَلِكَ بِأنْ تُصَلِّيَ لَهُ خاصَّةً وتَذْكُرَهُ بِالذِّكْرَيْنِ، غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إلى شَيْءٍ سِواهُ ﴿قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ﴾ صَلاةَ الصُّبْحِ ﴿وقَبْلَ غُرُوبِها﴾ صَلاةَ العَصْرِ والظُّهْرِ؛ وغَيَّرَ السِّياقَ في قَوْلِهِ: ﴿ومِن آناءِ اللَّيْلِ﴾ أيْ ساعاتِهِ، [جَمْعِ إنْوٍ - بِكَسْرٍ ثُمَّ سُكُونٍ، أيْ ساعَةٍ -]، [لِأنَّ العِبادَةَ حِينَئِذٍ أفْضَلُ لِاجْتِماعِ القَلْبِ وهُدُوءِ الرَّجُلِ والخُلُوِّ بِالرَّبِّ، لِأنَّ العِبادَةَ إذْ ذاكَ أشَقُّ وأدْخَلُ في التَّكْلِيفِ فَكانَتْ أفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ -] ﴿فَسَبِّحْ﴾ أيْ بِصَلاةِ المَغْرِبِ والعِشاءِ، إيذانًا بِعَظَمَةِ صَلاةِ اللَّيْلِ، وكَرَّرَ الأمْرَ بِصَلاتَيِ الصُّبْحِ والعَصْرِ إعْلامًا بِمَزِيدِ فَضْلِهِما، لِأنَّ ساعَتَيْهِما أثْناءَ الطَّيِّ والبَعْثِ فَقالَ: ﴿وأطْرافَ النَّهارِ﴾ ويُؤَيِّدُ ما فَهِمْتُهُ مِن أنَّ ذَلِكَ تَكْرِيرٌ لَهُما ما في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ البَجَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: «كُنّا جُلُوسًا عِنْدَ (p-٣٦٨)رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَنَظَرَ إلى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ فَقالَ:
”إنَّكم سَتَرَوْنَ رَبَّكم كَما تَرَوْنَ هَذا القَمَرَ لا تُضامُونَ في رُؤْيَتِهِ، فَإنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ لا تُغْلَبُوا عَلى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِها فافْعَلُوا“، ثُمَّ قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ». وإلّا لَمْ يَكُنْ في الآيَةِ مَزِيدُ حَثٍّ عَلَيْهِما خاصَّةً، عَلى أنَّ لَفْظَ ”آناءِ وأطْرافِ“ صالِحٌ لِصَلاةِ التَّطَوُّعِ مِنَ الرَّواتِبِ وغَيْرِها لَيْلًا ونَهارًا، وأفادَ بِذِكْرِ الجارِّ في الآناءِ التَّبْعِيضَ، لِأنَّ اللَّيْلَ مَحَلُّ الرّاحَةِ، ونَزَعَهُ مِنَ الأطْرافِ لِتَيَسُّرِ اسْتِغْراقِها بِالذِّكْرِ، لِأنَّ النَّهارَ مَوْضِعُ النَّشاطِ واليَقَظَةِ، ويَجُوزُ - وهو أحْسَنُ - أنْ يَكُونَ المُرادُ بِما قَبْلَ [الطُّلُوعِ -] الصُّبْحَ، وما قَبْلَ الغُرُوبِ العَصْرَ فَقَطْ، وبِبَعْضِ الآناءِ المَغْرِبَ والعِشاءَ، وأدْخَلَ الجارَّ لِكَوْنِهِما وقْتَيْنِ، وبِجَمِيعِ الأطْرافِ الصُّبْحَ والظُّهْرَ والعَصْرَ، لِأنَّ النَّهارَ لَهُ أرْبَعَةُ أطْرافٍ: أوَّلُهُ، وآخِرُهُ و[آخِرُ -] نِصْفِهِ الأوَّلِ، و[أوَّلُ -] نِصْفِهِ الثّانِي، والكُلُّ مُسْتَغْرَقٌ بِالتَّسْبِيحِ، ولِذَلِكَ نَزَعَ الجارَّ، أمّا الأوَّلُ والآخِرُ فَبِالصُّبْحِ والعَصْرِ، وأمّا الآخَرانِ فَبِالتَّهَيُّؤِ لِلصَّلاةِ ثُمَّ الصَّلاةِ نَفْسِها، وحِينَئِذٍ تَكُونُ الدَّلالَةُ عَلى فَضِيلَةِ الصُّبْحِ والعَصْرِ مِن وجْهَيْنِ: التَّقْدِيمِ والتَّكْرِيرِ، وإلى ذَلِكَ الإشارَةُ بِالحَدِيثِ، وإذا أُرِيدَ إدْخالُ النَّوافِلِ حُمِلَتِ الأطْرافُ عَلى السّاعاتِ - واللَّهُ الهادِي. (p-٣٦٩)ولَمّا كانَ الغالِبُ عَلى الإنْسانِ النِّسْيانَ فَكانَ الرَّجاءُ عِنْدَهُ أغْلَبَ، ذَكَرَ الجَزاءَ بِكَلِمَةِ الإطْماعِ لِئَلّا يَأْمَنَ فَقالَ: ﴿لَعَلَّكَ تَرْضى﴾ أيِ افْعَلْ هَذا لِتَكُونَ عَلى رَجاءٍ مِن أنْ يَرْضاكَ رَبُّكَ فَيُرْضِيَكَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، بِإظْهارِ دِينِكَ وإعْلاءِ أمْرِكَ، ولا يَجْعَلَكَ في عَيْشٍ ضَنْكٍ في الدُّنْيا ولا في الآخِرَةِ - هَذا عَلى قِراءَةِ الكِسائِيِّ وأبِي بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ بِالبِناءِ لِلْمَفْعُولِ، والمَعْنى عَلى قِراءَةِ الجَماعَةِ بِالبِناءِ لِلْفاعِلِ: لِتَكُونَ عَلى رَجاءٍ مِن أنْ تَكُونَ راضِيًا دائِمًا في الدُّنْيا والآخِرَةِ، ولا تَكُونُ كَذَلِكَ إلّا وقَدْ أعْطاكَ رَبُّكَ جَمِيعَ ما تُؤَمِّلُ.
{"ayah":"فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا یَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ غُرُوبِهَاۖ وَمِنۡ ءَانَاۤىِٕ ٱلَّیۡلِ فَسَبِّحۡ وَأَطۡرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرۡضَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











