الباحث القرآني
ولَمّا ذَكَرَ عَداوَتَهم لِأخَصِّ البَشَرِ واجْتِراءَهم عَلَيْهِ بِالتَّكْذِيبِ (p-٦٥)والقَتْلِ، وخَتَمَ ذَلِكَ بِعَداوَتِهِمْ لِأكْمَلِ الخَلْقِ وأخَصِّهِمْ حَسَدًا لِنُزُولِ هَذا الذِّكْرِ عَلَيْهِ عِبارَةً ثُمَّ إشارَةً بِما رَمَزَهُ إلى نَصْبِهِمْ لِقَتْلِهِ وأنْهى ذَلِكَ بِأنَّهُ لا مَحِيصَ لَهم مِنَ العَذابِ، لِأنَّهُ بَصِيرٌ بِأعْمالِهِمُ المُوجِبَةِ لَهُ ذَكَرَ ما هو مِن دَقِيقِ أعْمالِهِمْ في عَراقَتِهِمْ في الكُفْرِ بِعَداوَتِهِمْ لِخَواصِّ المَلائِكَةِ الَّذِينَ هم خَيْرٌ مَحْضٌ لا حامِلَ أصْلًا عَلى بُغْضِهِمْ إلّا الكُفْرُ، وبُدِئَ بِذِكْرِ المُنَزِّلِ لِلْقُرْآنِ، لِأنَّ عَداوَتَهم لِلْمُنَزَّلِ عَلَيْهِ لِأجْلِ ما نَزَلَ عَلَيْهِ عَداوَةٌ لِمُنَزِّلِهِ، لِأنَّهُ سَبَبُ ما كانَتِ العَداوَةُ لِأجْلِهِ، فَقالَ آمِرًا لَهُ ﷺ إعْلامًا بِما أبْصَرَهُ مِن خَفِيِّ مَكْرِهِمُ القاضِي بِضُرِّهِمْ: ”قُلْ“ أوْ يُقالُ -وهُوَ أحْسَنُ وأبَيْنُ وأمَتْنُ-: ولَمّا أمَرَهُ ﷺ بِما دَلَّ عَلى كَذِبِهِمْ في ادِّعائِهِمْ خُلُوصَ الآخِرَةِ لَهم وأخْبَرَ بِأنَّهُ لا بُدَّ مِن عَذابِهِمْ أمَرَهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ عَلى كِلا الأمْرَيْنِ، فَعَلى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ دَلِيلًا عَلى الأوَّلِ يَكُونُ مَنسُوقًا عَلى ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٩٤] الأُولى بِغَيْرِ عاطِفٍ إشْعارٌ بِأنَّ كُلًّا مِنَ الدَّلِيلَيْنِ كافٍ فِيما سِيقَ لَهُ، وعَلى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ دَلِيلًا عَلى الثّانِي الَّذِي خَصَّهُ يَكُونُ جَوابًا لِمَن كَأنَّهُ قالَ: لِمَ لا يُزَحْزِحُهُمُ التَّعْمِيرُ عَنِ العَذابِ ؟ ﴿قُلْ﴾ (p-٦٦)أيْ: لِهَؤُلاءِ الَّذِينَ ادَّعَوْا أنَّ دارَ المُلْكِ خالِصَةٌ لَهم وهم يُعادُونَ خَواصَّ جُنْدِهِ،
﴿مَن﴾ وهي اسْمٌ مُبْهَمٌ يَشْمَلُ الذَّواتَ العاقِلَةَ آحادًا وجُمُوعًا واسْتِغْراقًا، قالَهُ الحَرالِّيُّ.
﴿كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ﴾: أيْ: فَإنَّهُ لا يَضُرُّ إلّا نَفْسَهُ، لِأنَّهُ لا يَبْلُغُ ضُرَّهُ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ ولِعَداوَتِهِ بِعَداوَتِهِ لَهُ لِلَّهِ الَّذِي خَصَّهُ بِقُرْبِهِ واخْتِيارِهِ لِرِسالَتِهِ، فَكَفَرَ حِينَئِذٍ هَذا المُعادِي لَهُ بِجَمِيعِ كُتُبِ اللَّهِ ورُسُلِهِ؛ وجِبْرِيلُ؛ قالَ الحَرالِّيُّ: يُقالُ: هو اسْمُ عُبُودِيَّةٍ، لِأنَّ ”إيلَ“ اسْمٌ مِن أسْماءِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ في المَلَأِ الأعْلى وهو يَدُ بَسْطٍ لِرُوحِ اللَّهِ في القُلُوبِ بِما يُحَيِّيها اللَّهُ بِهِ مِن رُوحِ أمْرِهِ إرْجاعًا إلَيْهِ في هَذِهِ الدّارِ قَبْلَ إرْجاعِ رُوحِ الحَياةِ بِيَدِ القَبْضِ مِن عِزْرائِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، انْتَهى.
ثُمَّ عَلَّلَ هَذا الخَبَرَ المَحْذُوفَ بِما أرْشَدَ إلَيْهِ فَقالَ: ﴿فَإنَّهُ﴾ أيْ: جِبْرِيلُ،
﴿نَـزَّلَهُ﴾ أيِ: القُرْآنَ الَّذِي كَفَرُوا بِهِ، لِحَسَدِهِمْ لِلَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ بَعْدَ ما كانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِهِ، الآتِي بِما يَنْفَعُهُمُ، الدّاعِي إلى ما يُصْلِحُهم (p-٦٧)فَيَرْفَعُهم، ولَمّا كانَ المُرادُ تَحْقِيقَ أنَّهُ كَلامُ اللَّهِ وأنَّهُ أمَرَ بِإبْلاغِهِ جَمَعَ بَيْنَ ﴿قُلْ﴾ وبَيْنَ ﴿عَلى قَلْبِكَ﴾ أيْ: وهو أكْمَلُ القُلُوبِ، دُونَ أنْ يُقالَ: عَلى قَلْبِي، المُطابِقِ لِقُلْ؛ وأداةُ الِاسْتِعْلاءِ دالَّةٌ عَلى أنَّ المُنَزَّلَ تَمَكَّنَ في القَلْبِ فَصارَتْ مَجامِعُهُ مَغْمُورَةً بِهِ، فَكانَ مُظْهِرًا لَهُ ﴿بِإذْنِ اللَّهِ﴾ المَلِكِ الأعْظَمِ الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ، فَلَيْسَ لِأحَدٍ إنْكارُ ما أُذِنَ فِيهِ، والنّازِلُ بِهِ لَمْ يَتَعَدَّ شَيْئًا مِمّا أُمِرَ بِهِ؛ والإذْنُ: رَفْعُ المَنعِ وإيتاءُ المُكْنَةِ كَوْنًا وخَلْقًا ما لَمْ يَمْنَعْهُ حُكْمُ تَصْرِيفٍ، قالَهُ الحَرالِّيُّ.
﴿مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ مِن كُتُبِ اللَّهِ الَّتِي أعْظَمُها كِتابُهم، فَكانُوا أحَقَّ النّاسِ بِالإيمانِ بِهِ وكانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ أحَقَّ المَلائِكَةِ بِمَحَبَّتِهِمْ لَهُ (p-٦٨)لِإنْزالِهِ، وكانَ كُفْرُهم بِهِ كُفْرًا بِما عِنْدَهم، فَلا وجْهَ لِعَداوَتِهِمْ لَهُ؛ والبَيْنُ حَدٌّ فاصِلٌ في حِسٍّ أوْ مَعْنى، قالَهُ الحَرالِّيُّ.
﴿وهُدًى﴾ إلى كُلِّ خَيْرٍ، لِأنَّهُ بَيانٌ ما وقَعَ التَّكْلِيفُ بِهِ مِن أفْعالِ القُلُوبِ والجَوارِحِ،
﴿وبُشْرى﴾ أيْ: بِبَيانِ الثَّوابِ،
﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أيِ: الَّذِينَ لَهُمُ الإيمانُ وصْفٌ لازِمٌ، فَلا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ كُتُبِ اللَّهِ ولا بَيْنَ رُسُلِهِ، بَلْ حَيْثُما قادَهُمُ الحَقُّ انْقادُوا؛ فَلا يَدْخُلُ في ذَلِكَ الَّذِينَ آمَنُوا بِألْسِنَتِهِمْ.
﴿فَلَمّا جاءَهم ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ [البقرة: ٨٩] ولا مَن عَلِمَ اللَّهُ مِنهُ ذَلِكَ، ولَوْ كانَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ ﷺ، اللَّهُ أعْلَمُ بِما كانُوا عامِلِينَ؛ فَلَوْ أنَّهم مُؤْمِنُونَ لَما عادَوْا مَن نَزَلَ بِهِ بُشْرى لَهم ولَكِنَّهم كَفَرَةٌ فَهم في العَذابِ، والآخِرَةُ لَيْسَتْ لَهم بَلْ عَلَيْهِمْ.
{"ayah":"قُلۡ مَن كَانَ عَدُوࣰّا لِّجِبۡرِیلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ وَهُدࣰى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











