الباحث القرآني

ولَمّا أرْشَدَ الكَلامُ إلى أنَّ التَّقْدِيرَ: فَحَرَّفُوا كَثِيرًا في كِتابِ اللَّهِ وزادُوا ونَقَصُوا، عَطَفَ عَلَيْهِ ما بَيَّنَ بِهِ جَرْأتَهم وجَفاهم وعَدَمَ اكْتِراثِهِمْ بِما يَرْتَكِبُونَهُ مِنَ الجَرائِمِ الَّتِي هم أعْلَمُ النّاسِ بِأنَّ بَعْضَها مُوجِبٌ لِلْخُلُودِ في النّارِ فَقالَ تَعالى: ﴿وقالُوا (p-٤٩٤)لَنْ تَمَسَّنا﴾ مِنَ المَسِّ وهو مُلاقاةُ ظاهِرِ الشَّيْءِ ظاهِرَ غَيْرِهِ ﴿النّارُ﴾ أيِ المُعَدَّةُ في الآخِرَةِ ﴿إلا أيّامًا﴾ ولَمّا كانَ مُرادُهم بِذَلِكَ أنَّهم لا يُخَلَّدُونَ فِيها وكانَ جَمْعُ القِلَّةِ وإنْ كانَ يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ لَكِنَّهُ رُبَّما اسْتُعِيرَ لِلْكَثْرَةِ فَدَلَّ عَلى ما لا آخِرَ لَهُ أوْ ما يَعْسُرُ عَدُّهُ زادُوا المَعْنى تَأْكِيدًا وتَصْرِيحًا بِقَوْلِهِمْ: ﴿مَعْدُودَةً﴾ أيْ مُنْقَضِيَةً، لِأنَّ كُلَّ مَعْدُودٍ مُنْقَضٍ. قالَ الحَرالِّيُّ: والعَدُّ اعْتِبارُ الكَثْرَةِ بَعْضِها بِبَعْضٍ، واقْتَصَرَ عَلى الوَصْفِ بِالمُفْرِدِ لِكِفايَتِهِ (p-٤٩٥)فِي هَذا المَعْنى بِخِلافِ ما في آلِ عِمْرانَ. ولَمّا ادَّعَوْا ذَلِكَ ادَّعَوْا أنَّ المُسْلِمِينَ يُخَلِّفُونَهم بَعْدَ ذَلِكَ فِيها، رَوى البُخارِيُّ في الجِزْيَةِ والمُغازِي والطِّبِّ، والدّارِمِيُّ في أوَّلِ المُسْنَدِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: «لَمّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ شاةٌ فِيها سُمٌّ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: اجْمَعُوا لِي مَن كانَ هَهُنا مِن يَهُودَ، فَجَمَعُوا لَهُ فَقالَ: إنِّي سائِلُكم عَنْ شَيْءٍ فَهَلْ أنْتُمْ صادِقِيَّ عَنْهُ ؟ فَقالُوا: نَعَمْ، فَقالَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ: مَن أبُوكم ؟ قالُوا فُلانٌ، فَقالَ: كَذَبْتُمْ، بَلْ أبُوكم فُلانٌ، قالُوا: صَدَقْتَ وبَرَرْتَ، قالَ: فَهَلْ أنْتُمْ صادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إنْ سَألْتُكم عَنْهُ ؟ قالُوا: نَعَمْ يا أبا القاسِمِ، وإنْ كَذَبْنا عَرَفْتَ كَذِبَنا كَما عَرَفْتَهُ في أبِينا، فَقالَ لَهم: مَن أهْلُ النّارِ ؟ قالُوا: نَكُونُ فِيها يَسِيرًا ثُمَّ تَخْلُفُونا فِيها، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: اخْسَؤُوا فِيها ! واللَّهِ لا نَخْلُفُكم فِيها أبَدًا، ثُمَّ قالَ: هَلْ أنْتُمْ صادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إنْ سَألْتُكم عَنْهُ ؟ فَقالُوا: نَعَمْ يا أبا القاسِمِ، قالَ: هَلْ جَعَلْتُمْ في هَذِهِ الشّاةِ سُمًّا ؟ قالُوا: نَعَمْ، قالَ: ما حَمَلَكم عَلى ذَلِكَ ؟ قالُوا: أرَدْنا إنْ كُنْتَ كاذِبًا أنْ نَسْتَرِيحَ مِنكَ، وإنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ "» ولَمّا ادَّعَوْا ذَلِكَ كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: فِيماذا نَرُدُّ عَلَيْهِمْ ؟ فَقالَ ﴿قُلْ﴾ مُنْكِرًا لِقَوْلِهِمْ ﴿أتَّخَذْتُمْ﴾ في ذَلِكَ ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ ﴿عَهْدًا فَلَنْ﴾ (p-٤٩٦)أيْ فَيَتَسَبَّبُ عَنْ ذَلِكَ أنَّهُ يُوفِي بِعَهْدِهِ، لِأنَّهُ ﴿يُخْلِفَ اللَّهُ﴾ الَّذِي لَهُ صِفاتُ الكَمالِ ﴿عَهْدَهُ أمْ﴾ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَأنْتُمْ ﴿تَقُولُونَ عَلى اللَّهِ﴾ المُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ قُدْرَةً وعِلْمًا ﴿ما لا تَعْلَمُونَ﴾ ومَعْنى الإنْكارِ في الِاسْتِفْهامِ أنَّهُ لَيْسَ واحِدٌ مِنَ الأمْرَيْنِ واقِعًا، لا اتَّخَذْتُمْ عَهْدًا ولا قُلْتُمْ ذَلِكَ جَهْلًا، بَلْ قُلْتُمُوهُ وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ خِلافَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب