الباحث القرآني

ولَمّا كانَ هَذا التَّصْرِيحُ بِالتَّرْغِيبِ المُتَضَمِّنِ لِلتَّلْوِيحِ بِالتَّرْهِيبِ مُقْتَضِيًا لِلْعاقِلِ المُبادَرَةَ إلى الطّاعَةِ بَيَّنَ أنَّهُ تَسَبَّبَ عَنْهُ أنَّ بَعْضَهم عَصَوْا وكَفَرُوا هَذِهِ النِّعْمَةَ العَظِيمَةَ ولَمْ يَقْتَصِرُوا عَلى تَرْكِ هَذا الأمْرِ بَلْ بَدَّلُوهُ بِدُخُولِهِمْ كَما في الحَدِيثِ: ”يَزْحَفُونَ عَلى أسْتاهِهِمْ قائِلِينَ: حَبَّةٌ في شَعْرَةٍ“ أيْ جِنْسُ الحَبِّ في جِنْسِ الشَّعْرَةِ أيْ في الغَرائِرِ مَطْلُوبُنا لا الحِطَّةُ وهي غُفْرانُ (p-٣٩٩)الذُّنُوبِ. قالَ الحَرالِّيُّ: أُمِرُوا بِالإخْلاصِ لِلَّهِ نَظَرًا إلى حَياةِ قُلُوبِهِمْ فَطَلَبُوا الحِنْطَةَ نَظَرًا إلى حَياةِ جُسُومِهِمْ فَقالَ تَعالى ﴿فَبَدَّلَ﴾ مِنَ التَّبْدِيلِ وهو تَعْوِيضُ شَيْءٍ مَكانَ شَيْءٍ. انْتَهى. ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ وأسْقَطَ: ”مِنهم“؛ لِما يَأْتِي في الأعْرافِ ﴿قَوْلا﴾ أيْ مَكانَ القَوْلِ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ. ولَمّا كانَ التَّبْدِيلُ وإنْ كانَ يُفْهِمُ التَّغْيِيرَ لَكِنَّهُ يَصْدُقُ بِأدْنى تَغْيِيرٍ ولَوْ أنَّهُ في اللَّفْظِ وإنِ اتَّحَدَ المَعْنى بَيَّنَ أنَّهُ مُضادٌّ لَهُ بِحَيْثُ لا يُمْكِنُ اجْتِماعُهُما بِقَوْلِهِ: ﴿غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ﴾ فَإنَّ غَيْرًا كَما قالَ الحَرالِّيُّ (p-٤٠٠)كَلِمَةٌ تُفْهِمُ انْتِفاءَ وإثْباتَ ضِدِّ ما انْتَفى، وقالَ: ذَكَرَ تَعالى عُدُولَهم عَنْ كُلِّ ذَلِكَ واشْتِغالَهم بِبُطُونِهِمْ وعاجِلِ دُنْياهم فَطَلَبُوا طَعامَ بُطُونِهِمُ الَّتِي قَدْ فَرَغَ مِنها التَّقْدِيرُ وأظْهَرَ لَهم الغَناءَ عَنْها في حالِ التِّيهِ بِإنْزالِ المَنِّ والسَّلْوى إظْهارًا لِبَلادَةِ طِباعِهِمْ وغَلَبَةِ حُبِّ العاجِلَةِ عَلَيْهِمْ فَبَدَّلُوا كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ وهي لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وهي الحِطَّةُ بِطَلَبِ الحِنْطَةِ ﴿ولَوْ أنَّهم أقامُوا التَّوْراةَ والإنْجِيلَ وما أُنْـزِلَ إلَيْهِمْ مِن رَبِّهِمْ لأكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ ومِن تَحْتِ أرْجُلِهِمْ﴾ [المائدة: ٦٦] (p-٤٠١)﴿ولَوْ أنَّ أهْلَ القُرى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ والأرْضِ﴾ [الأعراف: ٩٦] ”مَن شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْألَتِي أعْطَيْتُهُ أفْضَلَ ما أُعْطِي السّائِلِينَ“ . انْتَهى. وبَيَّنَ أنَّهُ خَصَّ المُبَدِّلِينَ بِالعِتابِ نِعْمَةً مِنهُ مَعَ أنَّ لَهُ أنْ يَعُمَّ فَقالَ ﴿فَأنْـزَلْنا﴾ أيْ بِعَظَمَتِنا بِسَبَبِ ذَلِكَ ﴿عَلى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أيْ خاصَّةً ﴿رِجْزًا﴾ قالَ الحَرالِّيُّ: هو أشَدُّ العَذابِ، وما جَرَّهُ أيْضًا يُسَمّى رِجْزًا مِمّا يَجِبُ (p-٤٠٢)أنْ يَزْجُرَ عَنْهُ والزَّجْرُ كَفُّ البَهائِمِ عَنْ عَدْواها. انْتَهى. ولَمّا كانَ الإنْزالُ مُفْهِمًا لِلسَّماءِ حَقَّقَهُ تَعْظِيمًا لَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنَ السَّماءِ بِما﴾ أيْ بِسَبَبِ ما ﴿كانُوا يَفْسُقُونَ﴾ أيْ يُجَدِّدُونَ الخُرُوجَ مِنَ الطّاعَةِ إلى المَعْصِيَةِ في كُلِّ وقْتٍ. فَفي إفْهامِهِ أنَّهم يَعُودُونَ إلى الطّاعَةِ بَعْدَ الخُرُوجِ مِنها وذَلِكَ مُقْتَضٍ لِأنْ يَكُونَ يَظْلِمُونَ أشَدَّ مِنهُ كَما يَأْتِي. قالَ الحَرالِّيُّ: فَبِحَقٍّ يَجِبُ عَلى مَن دَخَلَ مِن بابِ جَبَلٍ أوْ قَرْيَةٍ أنْ يَقُولَ في وصِيدِها: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، لِيُحَطَّ عَنْهُ ماضِي ذُنُوبِهِ، فَكَأنَّ ذِكْرَ اللَّهِ في بابِ المَدِينَةِ والشِّعْبِ ذَكاةٌ لِذَلِكَ المَدْخَلِ، فَمَن لَمْ يَدْخُلْهُ مُذَكِّيًا دَخَلَهُ فاسِقًا ﴿ولا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وإنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ [الأنعام: ١٢١] فَلِذَلِكَ ما انْخَتَمَ ذِكْرُهم في الآيَةِ بِالفِسْقِ. انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب