الباحث القرآني
”وإذْ“ .
قالَ الحَرالِّيُّ: لَمّا تَكَمَّلَ إقْبالُ الخِطابِ عَلَيْهِمْ مَرّاتٍ بِما تَقَدَّمَ مِن نِدائِهِمْ والعَطْفِ عَلى ما في صِلَتِهِ صَرَفَ الحَقُّ وجْهَ الخِطابِ عَنْهم إلى ذِكْرِ خِطابِ نَبِيِّهِ ﷺ لَهم، فَإنَّ اللَّهَ يُخاطِبُ العِبادَ بِإسْقاطِ الواسِطَةِ بَيْنَهُ وبَيْنَهم تَرْفِيعًا لِأقْدارِهِمْ لَدَيْهِ، فَيَرْفَعُ مَن شاءَ فَيُجِيبُهُ بِما شاءَ، ويُوقِفُ مَن شاءَ فَيَجْعَلُ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ في الخِطابِ واسِطَةً مِن نَبِيِّهِ، فَلَمّا قَرَّرَهم بِما مَضى مِنَ التَّذْكِيرِ عَلى ما واجَهَهم بِهِ الحَقُّ تَعالى ذَكَرَ في هَذِهِ الآيَةِ تَقْرِيرَهم عَلى ما خاطَبَهم بِهِ نَبِيُّهم حِينَ أعْرَضَ الحَقُّ عَنْ خِطابِهِمْ (p-٣٧٢)بِما أصابُوهُ مِن قَبِيحِ خَطِيئَتِهِمْ. انْتَهى.
فَقالَ: ﴿وإذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ﴾ العابِدِ لِلْعِجْلِ والسّاكِتِ عَنْهُ، والقَوْمُ قالَ الحَرالِّيُّ اسْمُ مَن لَهم مِنَّةٌ في القِيامِ بِما هم مَذْكُورُونَ بِهِ، ولِذَلِكَ يُقابَلُ بِلَفْظِ النِّساءِ لِضَعْفِهِنَّ فِيما يُحاوِلْنَهُ؛ وفِيهِ تَخْوِيفٌ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أنْ يُصِيبَهم مِثْلُ ما أصابَهم في خِطابِ رَبِّهِمْ فَيُعْرِضُ عَنْهم. انْتَهى.
﴿يا قَوْمِ﴾ وأكَّدَ لِعَراقَتِهِمْ في الجَهْلِ بِعَظِيمِ ما ارْتَكَبُوهُ وتَهاوُنِهِمْ بِهِ لِما أُشْرِبُوا في قُلُوبِهِمْ مِنَ الهَوى فَقالَ ﴿إنَّكم ظَلَمْتُمْ أنْفُسَكُمْ﴾ ظُلْمًا تَسْتَحِقُّونَ بِهِ العُقُوبَةَ ﴿بِاتِّخاذِكُمُ العِجْلَ﴾ أيْ إلَهًا مِن دُونِ اللَّهِ، فَجَعَلْتُمْ أنْفُسَكم مُتَذَلِّلَةً لِمَن لا يَمْلِكُ لَها شَيْئًا ولِمَن هي أشْرَفُ مِنهُ، فَأنْزَلْتُمُوها مِن رُتْبَةِ عِزِّها بِخُضُوعِها لِمَوْلاها الَّذِي لا يَذِلُّ مَن والاهُ ولا يَعِزُّ مَن عاداهُ إلى ذُلِّها بِخُضُوعِها لِمَن هو دُونَكم أنْتُمْ، هَذا هو أسْوَأُ الظُّلْمِ، فَإنَّ المَرْءَ لا يَصْلُحُ أنْ يَتَذَلَّلَ ويَتَعَبَّدَ لِمَثَلِهِ، فَكَيْفَ (p-٣٧٣)لِمَن دُونَهُ مِن حَيَوانٍ ! فَكَيْفَ بِما يُشَبَّهُ بِالحَيَوانِ مِن جَمادِ الذَّهَبِ الَّذِي هو مِنَ المَعادِنِ وهو أخْفَضُ المَوالِيدِ رُتْبَةً حِينَ لَمْ تُبَلِّغْها حَياتُها أنْ تَبْدُوَ فَوْقَ الأرْضِ كالنَّباتِ مِنَ النَّجْمِ والشَّجَرِ ولِما فِيهِ مِنَ الِانْتِفاعِ بِما يَكُونُ مِنَ الحَبِّ والثَّمَرِ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ غِذاءً ودَواءً، والمَعادِنُ لا يُنْتَفَعُ بِها إلّا آلاتٍ ونُقُودًا، مَنفَعَتُها إخْراجُها لا إثْباتُها، قالَهُ الحَرالِّيُّ ﴿فَتُوبُوا إلى بارِئِكُمْ﴾ الَّذِي فَطَرَكم مِن قَبْلِ أنْ تَتَّخِذُوا العِجْلَ بَرِيئِينَ مِنَ العَيْبِ (p-٣٧٤)مَعَ إحْكامِ الخَلْقِ عَلى الأشْكالِ المُخْتَلِفَةِ. وقالَ الحَرالِّيُّ: البارِئُ اسْمٌ قائِمٌ بِمَعْنى البُرْءِ وهو إصْلاحُ المَوادِّ لِلتَّصْوِيرِ، كالَّذِي يَقْطَعُ الجِلْدَ والثَّوْبَ لِيَجْعَلَهُ خُفًّا وقَمِيصًا، وكالَّذِي يَطْحَنُ القَمْحَ ويَعْجِنُ الطِّينَ لِيَجْعَلَهُ خُبْزًا وفَخّارًا ونَحْوَ ذَلِكَ، ومَعْناهُ التَّدْقِيقُ لِلشَّيْءِ بِحَسَبِ التَّهَيُّؤِ لِصُورَتِهِ. انْتَهى.
ولَمّا كانَتْ تَوْبَتُهم بِقَتْلِ أقارِبِهِمْ وإنْ كانُوا آباءً أوْ أبْناءً عَبَّرَ عَنْهم بِالنَّفْسِ لِذَلِكَ وإشارَةً إلى خُبْثِ ما ارْتَكَبُوا فَقالَ: ﴿فاقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ﴾ أيِ الَّتِي أوْجَدَها فَقادَتْكم إلى غَيْرِهِ. قالَ الحَرالِّيُّ: والقَتْلُ قَصْلُ الحَيَوانِ قَبْلَ انْتِهاءِ قُوَّتِهِ بِمَنزِلَةِ قَصْلِ الزَّرْعِ قَبْلَ اسْتِحْصادِهِ. انْتَهى. ولَمّا كانَ (p-٣٧٥)ما أمَرَهم بِهِ أمْرًا لا يَكادُ يُسْمَحُ بِهِ عَظَّمَ الرَّغْبَةَ فِيهِ بِقَوْلِهِ ﴿ذَلِكُمْ﴾ أيِ الأمْرُ العَظِيمُ وهو القَتْلُ ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ والخَيْرُ قالَ الحَرالِّيُّ ما يَصْلُحُ في الِاخْتِيارِ مِن مَحْسُوسِ الأشْياءِ وما هو الأصْلَحُ وما هو الأخْيَرُ، ورُبَّما اسْتُعْمِلَتْ مِنهُ خَيْرٌ مَحْذُوفَةً فَيُقالُ: هو خَيْرٌ في نَفْسِهِ، أيْ مِمّا يُخْتارُ، ويُقالُ: هَذا خَيْرٌ مِن هَذا، أيْ أخْيَرُ مِنهُ أيْ أصْلَحُ في الِاخْتِيارِ، وكَذَلِكَ لَفْظُ شَرٍّ في مُقابِلِهِ وهُما مُشْعِرانِ بِمُتَوَسِّطٍ مِنَ الأشْياءِ لا يُخْتارُ لِأجْلِ زِيادَةِ صَلاحٍ ولا يُطَّرَحُ لِأجْلِ أذًى ولا مَضَرَّةٍ ”عند“ كَلِمَةٌ تُفْهِمُ اخْتِصاصَ ما أُضِيفَتْ إلَيْهِ بِوَجْهٍ ما عامٍّ وأخَصُّ مِنهُ ”لَدُنْ“، فَـ ”لَدُنْ“ خاصَّتُها و”عِنْدَ“ عامَّتُها، كالَّذِي يَمْلِكُ الشَّيْءَ فَهو عِنْدَهُ وإنْ لَمْ يَكُنْ في حَضْرَتِهِ، انْتَهى. (p-٣٧٦)﴿بارِئِكُمْ﴾ أيِ القادِرِ عَلى إعْدامِكم كَما قَدَرَ عَلى إيجادِكم، وفي التَّعْبِيرِ بِالبارِئِ تَرْغِيبٌ لَهم في طاعَتِهِ بِالتَّذْكِيرِ بِالإحْسانِ وتَرْهِيبٌ بِإيقاعِ الهَوانِ.
ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فَفَعَلْتُمُ التَّوْبَةَ المَأْمُورَ بِها، بِأنْ قَتَلَ بَعْضُكم بَعْضًا بِتَوْفِيقِهِ لَكم سُبْحانَهُ مَعَ ما فِيهِ مِن عِظَمِ المَشَقَّةِ؛ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿فَتابَ عَلَيْكُمْ﴾ أيْ مَعَ عِظَمِ جُرْمِكم، ولَوْلا تَوْبَتُهُ عَلَيْكم ما تُبْتُمْ؛ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّهُ﴾ أيْ لِأنَّهُ ﴿هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ﴾ أيْ ما زالَ هَذا صِفَةً لَهُ لا لِاسْتِحْقاقٍ مِنكم عَلَيْهِ قالَ الحَرالِّيُّ: وفي إظْهارِ ”هو“ مَفْصُولَةً مِن ضَمِيرِ (p-٣٧٧)وصْلِها إثْباتُ مَعْنى الرَّحْمَةِ لِلَّهِ ثَبْتًا لا يَتَبَدَّلُ ولا يَتَغَيَّرُ إلّا أنَّهُ مِن وراءِ غَيْبٍ ما شاءَ اللَّهُ مِن أدَبٍ وامْتِحانٍ وعِقابٍ، فَلِذَلِكَ خَتَمَهُ بِاسْمِهِ الرَّحِيمِ، لِأنَّ الخَتْمَ أبْدى إظْهارٍ لِلْمَعْنى الأخْفى مِن مَضْمُونِ ما فِيهِ الخَتْمُ. انْتَهى.
{"ayah":"وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ یَـٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوۤا۟ إِلَىٰ بَارِىِٕكُمۡ فَٱقۡتُلُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ عِندَ بَارِىِٕكُمۡ فَتَابَ عَلَیۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق