الباحث القرآني

﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ﴾ مِنَ الظَّنِّ وهو رُجْحانٌ في اعْتِقادٍ مَعَ بَقاءِ مُنازِعٍ مِن مُقابِلِهِ - قالَهُ الحَرالِّيُّ. ﴿أنَّهم مُلاقُو رَبِّهِمْ﴾ (p-٣٤٣)أيِ المُحْسِنِ إلَيْهِمْ، وعَبَّرَ بِالظَّنِّ عَنِ العِلْمِ تَهْوِيلًا لِلْأمْرِ وتَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ يَكْفِي العاقِلَ في الحَثِّ عَلى مُلازَمَةِ الطّاعَةِ في ظَنِّ لِقاءِ المَلِكِ المُطاعِ المَرْجُوِّ المَخُوفِ فَكَيْفَ والأمْرُ مُتَيَقَّنٌ لا مِراءَ فِيهِ ولا تَطَرُّقَ لِلرَّيْبِ إلَيْهِ ! ويَجُوزُ أنْ يُرادَ ظَنُّ المَوْتِ في كُلِّ لَحْظَةٍ، فَإنَّهُ إذا كانَ عَلى ذُكْرٍ مِنَ الإنْسانِ أوْجَبُ لَهُ السَّعادَةَ. ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ مُشِيرَةً مَعَ التَّرْهِيبِ لِذَوِي الهِمَمِ العَلِيَّةِ والأنَفَةِ والحَمِيَّةِ مِنَ الوُقُوعِ فِيما يُلِمُّ بِعَيْبٍ أوْ يُوقِعُ في عَتْبٍ إلى الِاسْتِحْياءِ مِنَ المُحْسِنِ الَّذِي ما قَطَعَ إحْسانَهُ ساعَةً مِنَ الدَّهْرِ زادَ في التَّرْهِيبِ بِقَوْلِهِ: ﴿وأنَّهم إلَيْهِ﴾ أيْ وحْدَهُ ﴿راجِعُونَ﴾ والرُّجُوعُ مَعادُ الذّاهِبِ عَلى (p-٣٤٤)مَدارِجِ مَذْهَبِهِ وتَرَقِّيهِ عَلى مَعارِجِ مَهْبِطِهِ، قالَهُ الحَرالِّيُّ. وعَبَّرَ بِذَلِكَ وإنْ كانُوا لَمْ يَزالُوا في قَبْضَتِهِ، لِأنَّ اسْمَهُ الظّاهِرَ سُبْحانَهُ يَكُونُ في تِلْكَ الدّارِ لِانْقِطاعِ الأسْبابِ في غايَةِ الظُّهُورِ لا يَكُونُ لِأحَدٍ مَعَهُ نَوْعُ ظُهُورٍ أصْلًا، لا كَهَذِهِ الدّارِ الَّتِي الغالِبُ فِيها مَعْنى اسْمِهِ الباطِنِ إلّا عِنْدَ أُولِي البَصائِرِ؛ وفي الآيَةِ تَبْكِيتٌ لِأهْلِ الكِتابِ بِأنَّهم مَعَ تَحَقُّقِهِمْ لِلْبَعْثِ يَمَلُّونَ عَمَلَ مَن لا يَظُنُّهُ فَضْلًا عَنْ أنَّهُ يَعْلَمُهُ. وقالَ الحَرالِّيُّ: ولَمّا كانَ في الصَّلاةِ مُناجاةٌ لِلَّهِ عَلى الغَيْبِ؛ كانَتْ إنَّما تَتَيَسَّرُ عَلى مَن يَظُنُّ القَبُولَ الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ اللِّقاءُ لِرَبِّهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وذَلِكَ حالُ مَن رَجَحَتِ الآخِرَةُ (p-٣٤٥)عَلى الدُّنْيا في عَمَلِهِ وحالِهِ، فَكانَ حالُهُ وعَمَلُهُ حالَ الظّانِّ إبْقاءً عَلى أحْوالِ مَن دُونَ رُتْبَةِ اليَقِينِ، ومَقْصُودُ اللِّقاءِ لَيْسَ البَعْثَ لِأنَّهم هم مِنَ المُؤْمِنِينَ بِالبَعْثِ ولَكِنَّهُ مِن مَعْنى القَبُولِ بَعْدَ البَعْثِ، وفِيهِ إشارَةٌ إلى حالِ المَوْتِ ويَوْمِ البَرْزَخِ وهو الجَزاءُ الأوَّلُ فَعَطَفَ عَلى المَرْجِعِ الآخَرِ بَعْدَ البَعْثِ. انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب