الباحث القرآني

ولَمّا فَرَغَ سُبْحانَهُ مِن أمْرِ أهْلِ الكِتابِ بِالإيمانِ بِاللَّهِ والنَّبِيِّ والكِتابِ الَّذِي هو مِنَ الهُدى الآتِي إلَيْهِمُ المُشارِ إلى ذَلِكَ كُلِّهِ بِالإيفاءِ بِالعَهْدِ؛ عَطَفَ بِقَوْلِهِ: ﴿وأقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ أيْ حافِظُوا عَلى العِبادَةِ المَعْهُودِ بِها في كُلِّ يَوْمٍ بِجَمِيعِ شَرائِطِها وأرْكانِها ﴿وآتُوا الزَّكاةَ﴾ أيِ المَفْرُوضَةَ في كُلِّ حَوْلٍ لِتَجْمَعُوا أوْصافَ المُتَّقِينَ المَهْدِيِّينَ بِهَذا الكِتابِ ﴿الَّذِينَ (p-٣٣٣)يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٣] المُحْسِنِينَ بِذَلِكَ فِيما بَيْنَهم وبَيْنَ الحَقِّ وفِيما بَيْنَهم وبَيْنَ الخَلْقِ، وهاتانِ العِبادَتانِ إمّا العِباداتُ البَدَنِيَّةُ والمالِيَّةُ فَخُصّا بِالذِّكْرِ، لِأنَّ مِن شَأْنِهِما اسْتِجْرارُ سائِرِ العِباداتِ واسْتِتْباعُها، والزَّكاةُ قالَ الحَرالِّيُّ نَماءٌ في ظاهِرِ حِسٍّ وفي باطِنِ ذاتِ نَفْسٍ، ﴿وارْكَعُوا﴾ مِنَ الرُّكُوعِ وهو تَوَسُّطٌ بَيْنَ قِيامٍ وسُجُودٍ يَقَعُ في ظاهِرٍ مِنَ القامَةِ وفي حالٍ مِنَ القَلْبِ، تُخَصُّ بِهِ الأُمَّةُ المُتَوَسِّطَةُ الجامِعَةُ لِلطَّرَفَيْنِ ”مَعَ“ مَعْناهُ الصُّحْبَةُ مِنَ الأعْلى بِالحِياطَةِ، ومِنَ الأدْنى بِحُسْنِ التَّبَعِ، ومِنَ المُماثِلِ بِحُسْنِ النَّصَفَةِ. انْتَهى. وقَوْلُهُ: ﴿الرّاكِعِينَ﴾ مَعَ مَصْحُوبِهِ تَأْكِيدٌ لِأمْرِ الصَّلاةِ وأمْرٌ بِالكَوْنِ في هَذا الدِّينِ مَعَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا مُحَمَّدًا ﷺ، فَإنَّ صَلاةَ اليَهُودِ لا رُكُوعَ فِيها، كَما سَيَأْتِي بَيانُهُ في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى. وقالَ الحَرالِّيُّ: والمُتَّسِقُ بِذَلِكَ أيْ بِما مَضى خِطابُ إفْهامٍ يَفْهَمُهُ عَطْفُ إقامَةِ الصَّلاةِ الَّتِي هي تِلْوَ الإيمانِ، فَكَأنَّ خِطابَ الإفْهامِ: (p-٣٣٤)فارْجِعُوا واسْتَدْرِكُوا وأعْلِنُوا بِما كَتَمْتُمْ وبَيِّنُوا ما لَبَّسْتُمْ وانْصَحُوا مَنِ اسْتَنْصَحَكم وأقِيمُوا وِجْهَتَكم لِلَّهِ بِالصَّلاةِ وتَعَطَّفُوا عَلى الأتْباعِ بَعْدَ تَعْلِيمِهِمْ بِالزَّكاةِ وكَمِّلُوا صَلاتَكم بِما بِهِ كَمالُ الصَّلاةِ مِنَ الرُّكُوعِ العَدْلِ في الفِعْلِ بَيْنَ حالِ قِيامِ الصَّلاةِ وسُجُودِها المُظْهِرِ آيَةَ عَظَمَةِ اللَّهِ مَعَ الرّاكِعِينَ الَّذِينَ هُمُ العَرَبُ الَّذِينَ وُضِعَتْ أوَّلُ صَلاتِهِمْ عَلى كَمالٍ. انْتَهى. ويَجُوزُ (p-٣٣٥)أنْ يَكُونَ المُرادُ بِالرُّكُوعِ الصَّلاةُ، عَبَّرَ عَنْها بِهِ لِما ذَكَرَ مِن خُصُوصِ هَذِهِ الأُمَّةِ بِهِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: وصَلُّوا مَعَ المُصَلِّينَ جَماعَةً، لِمَزِيدِ التَّوْصِيَةِ بِالجَماعَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب