الباحث القرآني

وابْتَدَأ سُبْحانَهُ بِتَذْكِيرِهِمْ بِما خَصَّهم بِهِ عَنِ النَّوْعِ الآدَمِيِّ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي كانُوا يُقابِلُونَها بِالكُفْرانِ وما عامَلَهم بِهِ مِن إمْهالِهِمْ عَلى مُرْتَكَباتِهِمْ ومُعامَلَتِهِمْ بِالعَفْوِ والإقالَةِ مِمّا يُبَيِّنُ سِعَةَ رَحْمَتِهِ وعَظِيمَ حِلْمِهِ، وابْتَدَأ مِن أوامِرِهِمْ بِالإيفاءِ بِالعُهُودِ الَّتِي مِن أعْظَمِها مُتابَعَةُ هَذا النَّبِيِّ الكَرِيمِ والإيمانُ بِكِتابِهِ الَّذِي نَفى عَنْهُ الرَّيْبَ فَقالَ: ﴿يا بَنِي إسْرائِيلَ﴾ أيِ الَّذِي شَرَّفْتُهُ (p-٣١٣)وشَرَّفْتُ بَنِيهِ مِن أجْلِهِ ﴿اذْكُرُوا﴾ مِنَ الذِّكْرِ بِالكَسْرِ والضَّمِّ بِمَعْنًى واحِدٍ يَكُونانِ بِاللِّسانِ وبِالجَنانِ، وقالَ الكِسائِيُّ: هو بِالكَسْرِ بِاللِّسانِ، وبِالضَّمِّ بِالقَلْبِ، والَّذِي بِالقَلْبِ ضِدُّهُ النِّسْيانُ، والَّذِي بِاللِّسانِ ضِدُّهُ الصَّمْتُ، نَقَلَهُ الأصْفَهانِيُّ. وقالَ الحَرالِّيُّ: مِنَ الذِّكْرِ وهو اسْتِحْضارُ ما سَبَقَهُ النِّسْيانُ. ﴿نِعْمَتِيَ﴾ وهي إنالَةُ الشَّخْصِ ما يُوافِقُ نَفْسَهُ وبَدَنَهُ وعِنْدَ المُتَفَطِّنِ ما يُوافِقُ باطِنَهُ وظاهِرَهُ مِمّا بَيْنَ قَلْبِهِ وشُعُوبِهِ مِن أهْلِهِ وحَشَمِهِ ”الَّتِي“ تِي مِنها إشارَةٌ لِباطِنٍ نازِلٍ مُتَخَيَّلٍ مُبْهَمٍ تُفَسِّرُهُ صِلَتُهُ بِمَنزِلَةِ [ ذِي ] و”ألْ“ مِنها إشارَةٌ لِذَلِكَ المَعْنى بِالإشارَةِ المُتَخَيَّلَةِ - انْتَهى ﴿أنْعَمْتُ﴾ أيْ بِها ودَلَّلْتُ عَلى شَرَفِها بِإضافَتِها إلى ﴿عَلَيْكُمْ﴾ وتِلْكَ النِّعْمَةُ الشَّرِيفَةُ هي (p-٣١٤)الإتْيانُ بِالهُدى مِنَ الكُتُبِ والرُّسُلِ الَّذِي اسْتَنْقَذْتُكم بِهِ مِن هَوانِ الدُّنْيا والآخِرَةِ ﴿وأوْفُوا﴾ مِنَ الوَفاءِ وهو عَمَلٌ لاحِقٌ بِمُقْتَضى تَقَدُّمِ عِلْمٍ سابِقٍ، قالَهُ الحَرالِّيُّ. ﴿بِعَهْدِي﴾ أيِ الَّذِي أخَذْتُهُ عَلَيْكم في لُزُومِ ما أُنْزِلَ إلَيْكم مِن مُتابَعَةِ نَبِيِّكم ومَن آمُرُكم بِاتِّباعِهِ مِن بَعْدِهِ، والعَهْدُ التَّقَدُّمُ في الشَّيْءِ خُفْيَةً اخْتِصاصًا لِمَن يَتَقَدَّمُ لَهُ فِيهِ، قالَهُ الحَرالِّيُّ، وقالَ الأصْفَهانِيُّ: حِفْظُ الشَّيْءِ (p-٣١٥)ومُراعاتُهُ حالًا فَحالًا، قالَ الخَلِيلُ: أصْلُهُ الِاحْتِفاظُ بِالشَّيْءِ وإجْدادُ العَهْدِ بِهِ، ﴿أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ أيْ في جَعْلِكم مِمَّنْ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا حُزْنٌ بِسَعَةِ العَيْشِ والنَّصْرِ عَلى الأعْداءِ كَما يَأْتِي عَنْ نَصِّ التَّوْراةِ في مَظانِّهِ مِن هَذا الكِتابِ ﴿وإيّايَ﴾ أيْ خاصَّةً ﴿فارْهَبُونِ﴾ أيْ ولا تَزِلُّوا اجْعَلْكم في مَصِيرِ الكافِرِينَ بَعْدَ الضَّرْبِ بِأنْواعِ الهَوانِ في الدُّنْيا، والرَّهَبُ حَذَرُ النَّفْسِ مِمّا شَأْنُها مِنهُ الهَرَبُ لِأذًى تَتَوَقَّعُهُ، وخُوطِبُوا بِالرَّهْبَةِ لِاسْتِبْطانِها فِيما يَخْتَصُّ لِمُخالَفَةِ العِلْمِ، قالَ الحَرالِّيُّ: وأطالَ سُبْحانَهُ في حِجاجِهِمْ جَرْيًا عَلى قانُونِ النَّظَرِ في جِدالِ العالِمِ الجاحِدِ وخِطابِ المُنْكِرِ المُعانِدِ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب