الباحث القرآني

(p-٢٩٣)ولِما تَسَبَّبَ عَنْ جَزاءِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالإهْباطِ الَّذِي هو كَفّارَةٌ لَهُ أنَّهُ أُلْهِمَ الدُّعاءَ بِما رُحِمَ بِهِ؛ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ”﴿فَتَلَقّى﴾“ أيْ فَهَبَطُوا فَتَلَقّى ”﴿آدَمُ﴾“ بَعْدَ الهُبُوطِ، والتَّلَقِّي ما يَتَقَبَّلُهُ القَلْبُ باطِنًا وحْيًا، أوْ كالوَحْيِ أُبْطِنَ مِنَ التَّلَقُّنِ الَّذِي يَتَلَقَّنُهُ لَفْظًا وعِلْمًا ظاهِرًا أوْ كالظّاهِرِ - قالَهُ الحَرالِّيُّ: ﴿مِن رَبِّهِ﴾ أيِ المُحْسِنِ إلَيْهِ في كُلِّ حالٍ ﴿كَلِماتٍ﴾ أيْ تُرْضِيهِ سُبْحانَهُ بِما أفْهَمَهُ التَّعْبِيرُ بِالتَّلَقِّي، وهي جُمَعُ كَلِمَةٍ؛ وهي دُعاءٌ دَعا بِهِ رَبَّهُ أوْ ثَناءٌ أثْنى بِهِ عَلَيْهِ؛ وتُطْلَقُ الكَلِمَةُ أيْضًا عَلى إمْضاءِ أمْرِ اللَّهِ مِن غَيْرِ (p-٢٩٤)تَسْبِيبِ حِكْمَةٍ ولا تَرْتِيبِ حُكْمٍ، قالَهُ الحَرالِّيُّ ثُمَّ قالَ: في عَطْفِ الفاءِ في هَذِهِ الآيَةِ إشْعارٌ بِما اسْتَنَدَ إلَيْهِ التَّلَقِّي مِن تَنْبِيهِ قَلْبِ آدَمَ وتَوْفِيقِهِ مِمّا أثْبَتَهُ لَهُ إمْساكُ حَقِيقَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ، ويُعاضِدُ مَعْناهُ رَفْعُ الكَلِماتِ وتَلَقِّيها آدَمَ في إحْدى القِراءَتَيْنِ، فَكَأنَّهُ تَلَقّى الكَلِماتِ بِما في باطِنِهِ فَتَلَقَّتْهُ الكَلِماتُ بِما أقْبَلَ بِها عَلَيْهِ فَكانَ مُسْتَحِقًّا لَها، فَكانَتْ مُتَلَقِّيَةً لَهُ بِما جَمَعَتِ القِراءَتانِ مِنَ المَعْنى ﴿فَتابَ﴾ مِنَ التَّوْبِ وهو رُجُوعٌ بِظاهِرٍ باطِنُهُ الإنابَةُ وهو رُجُوعٌ بِعِلْمٍ باطِنُهُ الأوْبَةُ وهو رُجُوعٌ بِتَقْوى قَلْبٍ. انْتَهى. ﴿عَلَيْهِ﴾ لِذِكْرِهِ إيّاهُ بِالكَلِماتِ مُخْلِصًا في نِيَّتِهِ، ثُمَّ عَلَّلَ بِقَوْلِهِ ﴿إنَّهُ هُوَ﴾ أيْ خاصَّةً (p-٢٩٥)﴿التَّوّابُ﴾ أيِ البَلِيغُ التَّوْبَةِ المُكَرِّرُ لَها، ولَمّا كانَ قَدْ جَعَلَ عَلى نَفْسِهِ المُقَدَّسِ أنْ يَتَفَضَّلَ عَلى المُحْسِنِ قالَ: ﴿الرَّحِيمُ﴾ أيْ لِمَن أحْسَنَ الرُّجُوعَ إلَيْهِ وأهَّلَهُ لِقُرْبِهِ. قالَ الحَرالِّيُّ: وكانَ إقْرارُهُ بِلَفْظِهِ أدَبًا وإذْعانًا لِقِيامِ حُجَّةِ اللَّهِ عَلى عِبادِهِ بِما أنْبَأ عَنْهُ مِن قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنا ظَلَمْنا أنْفُسَنا﴾ [الأعراف: ٢٣] الآيَةَ، وهَذِهِ تَوْبَةُ قَلْبٍ وعَمَلٍ لا يَنْقُضُ مَخْصُوصَ حالِ القَلْبِ مِنها ناقِضٌ وهي التَّوْبَةُ النَّصُوحُ الَّتِي تُبْرِئُ مِنَ الذَّنْبِ بِتَحْقِيقِ تَوْحِيدِ القَلْبِ وتُوجِبُ تَكْفِيرَ الخَطايا الظّاهِرَةِ الَّتِي لا أصْلَ لَها في القَلْبِ مِن حِجابِ دَعْوى في الأفْعالِ وشِرْكٍ في أمْرِ اللَّهِ، فَبِمُقْتَضى ما في باطِنِهِ ظَهَرَ فِيهِ اسْمُهُ الرَّحِيمُ الَّذِي هو مِنَ الرَّحْمَةِ وهو اخْتِصاصُ فَضْلِهِ بِالمُؤْمِنِ، وبِمُقْتَضى ما ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنَ الضَّراعَةِ والإقْرارِ ظَهَرَ فِيهِ مُقْتَضى اسْمِهِ التَّوّابِ؛ فَجَمَعَتْ تَوْبَتُهُ الأمْرَيْنِ. انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب