الباحث القرآني
ولَمّا كانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّهُ لا يَدْفَعُهُ حُجَّةٌ كانَ التَّقْدِيرُ: فامْتَثِلُوا ما أُمِرْتُمْ بِهِ واجْتَنِبُوا ما نُهِيتُمْ عَنْهُ، فَعَطَفَ عَلَيْهِ تَخْوِيفًا مِن يَوْمِ العَرْضِ عَلَيْهِ والمُجازاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقالَ - وقالَ الحَرالِّيُّ: لَمّا أنْهى الخِطابَ بِأمْرِ الدِّينِ [و] عَلَنِهِ وأمْرِ الآخِرَةِ عَلى وُجُوهِها وإظْهارِ حِكْمَتِها المُرْتَبِطَةِ بِأمْرِ الدُّنْيا وبَيَّنَ أمْرَ الإنْفاقِ والرِّبا الَّذِي هو غايَةُ أمْرِ الدِّينِ والدُّنْيا في صَلاحِهِما وأنْهى ذَلِكَ إلى المَوْعِظَةِ بِمَوْعُودِ جَزائِهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ أجْمَلَ المَوْعِظَةَ بِتَقْوى يَوْمِ الرَّجْعَةِ إلى إحاطَةِ أمْرِهِ لِيَقَعَ الخَتْمُ بِأجْمَلِ مَوْعِظَةٍ وأشْمَلِها لِيَكُونَ انْتِهاءُ الخِطابِ عَلى تَرْهِيبِ الأنْفُسِ لِتَجْتَمِعَ عَزائِمُها عَلى ما هو مِلاكُ أمْرِها مِن قَبُولِ صَلاحِ دِينِها ودُنْياها ومَعادِها مِن خِطابِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى لَها فَخَتَمَ ذَلِكَ بِكَمالِ مَعْناهُ بِهَذِهِ الآيَةِ كَما أنَّها هي الآيَةُ الَّتِي خُتِمَ بِها التَّنْزِيلُ أُنْزِلَتْ عَلى النَّبِيِّ ﷺ هو في الشِّكايَةِ وهي آخِرُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ عَلى النَّبِيِّ ﷺ في مُقابَلَةِ ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [العلق: ١] الَّذِي هو أوَّلُ مَنزِلِ النُّبُوَّةِ (p-١٤٤)[و] ﴿يا أيُّها المُدَّثِّرُ﴾ [المدثر: ١] الَّذِي هو أوَّلُ مَنزِلِ الرِّسالَةِ فَكانَ أوَّلُ الأمْرِ نِذارَةً وآخِرُهُ مَوْعِظَةً تَبْعَثُ النَّفْسَ عَلى الخَوْفِ وتَبْعَثُ القَلْبَ عَلى الشَّوْقِ [مِن] مَعْنى ما انْخَتَمَ بِهِ أمْرُ خِطابِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى في آيَةِ ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: ٤] انْتَهى. فَقالَ تَعالى: ﴿واتَّقُوا يَوْمًا﴾ أيْ في غايَةِ العِظَمِ ﴿تُرْجَعُونَ فِيهِ﴾ حِسًّا بِذَواتِكم كَما أنْتُمْ في الدُّنْيا ومَعْنىً بِجَمِيعِ أُمُورِكم رُجُوعًا ظاهِرًا لا يَحْجُبُهُ شَيْءٌ مِنَ الأسْبابِ ولا يَحُولُ دُونَهُ عارِضُ ارْتِيابٍ ﴿إلى اللَّهِ﴾ [الَّذِي] لا يَحْصُرُ عَظَمَتَهُ وصْفٌ ولا يُحِيطُ بِها حَدٌّ، فَيَكُونُ حالُكم بَعْدَ النَّقْلَةِ مِنَ الدُّنْيا كَحالِكم قَبْلَ البُرُوزِ إلَيْها مِنَ البَطْنِ لا تَصَرُّفَ لَكم أصْلًا ولا مُتَصَرِّفَ فِيكم إلّا اللَّهُ ويَكُونُ حالُكم في ذَلِكَ اليَوْمِ الإعْسارَ، لِأنَّهُ لا يُمْكِنُ أحَدٌ أنْ يُكافِئَ ما لِلَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَلَيْهِ مِن نِعَمِهِ، فَمَن نُوقِشَ الحِسابَ عُذِّبَ؛ فَإنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ المُجاوَزَةَ عَنْكم هُنالِكَ (p-١٤٥)فَتَجاوَزُوا أنْتُمْ عَنْ إخْوانِكُمُ اليَوْمَ، وتَصَدَّقُوا ما دُمْتُمْ قادِرِينَ عَلى الصَّدَقَةِ، واتَّقُوا النّارَ في ذَلِكَ اليَوْمِ ولَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ؛ وأشارَ سُبْحانَهُ وتَعالى إلى طُولِ وُقُوفِهِمْ ذَلِكَ المَوْقِفَ في مَقامِ الهَيْبَةِ وتَمادِي حَبْسِهِمْ في مَشْهَدِ الجَلالِ والعَظَمَةِ بِأداةِ التَّراخِي في قَوْلِهِ ﴿ثُمَّ﴾ قالَ الحَرالِّيُّ وقِيلَ:
”يا رَسُولَ اللَّهِ! أيْنَ يَكُونُ النّاسُ ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ والسَّماواتُ﴾ [إبراهيم: ٤٨] ؟ قالَ: في الظُّلْمَةِ دُونَ الجِسْرِ“ وقالَ ﷺ: «يُقِيمُونَ في الظُّلْمَةِ ألْفَ سَنَةٍ» ووَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ في تَفْصِيلِ مَواقِفِ يَوْمِ الجَزاءِ أنَّ الخَلْقَ يُوقَفُونَ عَلى قُبُورِهِمْ ألْفَ سَنَةٍ ويُساقُونَ إلى المَحْشَرِ ألْفَ سَنَةٍ، ويُوقَفُونَ في الظُّلْمَةِ ألْفَ سَنَةٍ؛ ثُمَّ يَكُونُ انْشِقاقُ [السَّماواتِ] السَّبْعِ وتَبْدِيلُ الأرْضِ وما شاءَ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى مِن أمْرِهِ انْتِظارًا لِمَجِيئِهِ؛ فَفي عِبْرَةِ مَقالِهِ واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى أعْلَمُ أنَّ ذَلِكَ يَكُونُ سِتَّةَ آلافِ (p-١٤٦)سَنَةٍ وأنَّها كَما بُنِيَتْ في سِتَّةِ أيّامٍ تُهْدَمُ في سِتَّةِ أيّامٍ ﴿كَما بَدَأْنا أوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] فَيَكُونُ ذَلِكَ تِسْعَةَ أيّامٍ؛ ويَكُونُ مَجِيئُهُ في اليَوْمِ العاشِرِ الَّذِي هو يَوْمُ عاشُوراءَ ذَلِكَ اليَوْمُ الَّذِي تَكَرَّرَ مَجِيءُ أمْرِهِ فِيهِ في يَوْمِ الدُّنْيا. ثُمَّ وصَفَ ﷺ المَواقِفَ إلى مُنْتَهاها. انْتَهى.
ولَمّا كانَ إيقافُ الإنْسانِ عَلى كُلِّ ما عَمِلَ مِن سِرٍّ وعَلَنٍ في غايَةِ الكَراهَةِ إلَيْهِ فَضْلًا عَنْ جَزائِهِ عَلى كُلِّ شَيْءٍ [مِنهُ] لا بِالنِّسْبَةِ إلى مَوْقِفٍ مُعَيَّنٍ بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ قَوْلُهُ: ﴿تُوَفّى﴾ أيْ تُعْطى عَلى سَبِيلِ الوَفاءِ ﴿كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ﴾ مِن خَيْرٍ وشَرٍّ. قالَ الحَرالِّيُّ: جاءَ بِصِيغَةِ فَعَلَ المُشْعِرِ بِجَرْيِ العَمَلِ عَلى غَيْرِ تَكَلُّفٍ وتَحَمُّلٍ، فَفي إشْعارِهِ أنَّها تُوَفّى ما كَسَبَتْ مِنَ الخَيْرِ وما كَوَّنَتْ لَهُ مِنَ الشَّرِّ وأنَّ ما تَكَلَّفَتْهُ مِنَ الشَّرِّ وفي دُخْلَتِها كَراهِيَةٌ رُبَّما غَفَرَ لَها حَيْثُ لَمْ تَكُنْ تُوَفّى ما كَسَبَتْ وما اكْتَسَبَتْ كَما قالَ في الآيَةِ الَّتِي بَعْدَها ﴿لَها (p-١٤٧)ما كَسَبَتْ وعَلَيْها ما اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] فَكانَ مُكْتَسَبُها عَلَيْها ورُبَّما غَفَرَ لَها فَإنَّها وُفِّيَتْ ما كَسَبَتْهُ مِنَ الشَّرِّ واشْتَمَلَ عَلَيْهِ ظاهِرُها وباطِنُها حَتّى يُسِّرَتْ لَهُ. انْتَهى.
ولَمّا كانَتْ عادَةُ النّاسِ أنَّهُ إذا بَقِيَ شَيْءٌ يَسِيرٌ وقَعَ في مَحَلِّ المُسامَحَةِ وكانَ اليَسِيرُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الأصْلِ فالألْفُ مَثَلًا يُتَسامَحُ فِيهِ بِمِائَةٍ مَثَلًا بَيَّنَ أنَّ الأمْرَ عِنْدَهُ عَلى غَيْرِ ذَلِكَ فَقالَ: ﴿وهم لا يُظْلَمُونَ﴾ شَيْئًا مِنَ الأشْياءِ ولَوْ قَلَّ، وهَذا إشارَةٌ إلى العَدْلِ بَيْنَ عِبادِهِ قالَ الحَرالِّيُّ: وهَذِهِ الآيَةُ خَتْمٌ لِلتَّنْزِيلِ وخَتْمٌ لِتَمامِ المَعْنى في هَذِهِ السُّورَةِ الَّتِي هي سَنامُ القُرْآنِ وفُسْطاطُهُ وخَتْمٌ لِكُلِّ مَوْعِظَةٍ وكُلِّ خَتْمٍ، فَهو مِن خَواصِّ المُحَمَّدِيَّةِ الجامِعَةِ المُفَصَّلَةِ مِن سُورَةِ الحَمْدِ المُشِيرَةِ إلى تَفاصِيلِ عَظِيمِ أمْرِ اللَّهِ في حَقِّهِ وفي خَلْقِهِ وفِيما بَيْنَهُ وبَيْنَ خَلْقِهِ. انْتَهى.
{"ayah":"وَٱتَّقُوا۟ یَوۡمࣰا تُرۡجَعُونَ فِیهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسࣲ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق