الباحث القرآني
ولَمّا كانَ سُبْحانَهُ وتَعالى قَدْ ذَكَرَ النَّفَقَةَ مِمّا أفاضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّزْقِ مِن أوَّلِ السُّورَةِ إلى هُنا في غَيْرِ آيَةٍ، ورَغَّبَ فِيها بِأنْواعٍ مِنَ التَّرْغِيبِ في فُنُونٍ مِنَ الأسالِيبِ، وكانَ الرِّزْقُ يَشْمَلُ الحَلالَ (p-١٠٩)والحَرامَ، وكانَ مِمّا يَسْتَرْزِقُونَ بِهِ قَبْلَ الإسْلامِ الرِّبا، وهو أخْذٌ مَجّانًا، وهو في الصُّورَةِ زِيادَةٌ وفي الحَقِيقَةِ نَقْصٌ وعَيْبٌ، ضِدُّ ما تَقَدَّمَ الحَثُّ عَلَيْهِ مِنَ الإعْطاءِ مَجّانًا، وهو في الظّاهِرِ نَقْصٌ وفي الباطِنِ زِيادَةٌ وخَيْرٌ؛ نَهاهم عَنْ تَعاطِيهِ ونَفَّرَهم مِنهُ، وبَيَّنَ لَهم حُكْمَهُ وأنَّهُ خَبِيثٌ لا يَصْلُحُ لِأكْلٍ ولا صَدَقَةٍ، وجَعَلَ ذَلِكَ في أُسْلُوبِ الجَوابِ لِمَن قالَ هَلْ يَكُونُ النَّفَقَةُ المَحْبُوبَةُ المَحْثُوثُ عَلَيْها مِن كُلِّ مالٍ؟ فَأجابَ بِقَوْلِهِ: - وقالَ الحَرالِّيُّ: ولَمّا كانَ حالُ المُنْفِقِ لا سِيَّما المُبْتَغِي وجْهَ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى أفْضَلَ الأحْوالِ، وهو الحالُ الَّذِي دُعُوا إلَيْهِ؛ نَظَمَ بِهِ أدْنى الأحْوالِ، وهو الَّذِي يُتَوَسَّلُ بِهِ إلى الأمْوالِ بِالرِّبا، فَأفْضَلُ النّاسِ المُنْفِقُ، وشَرُّ النّاسِ المُرْبِي؛ فَنَظَمَ بِهِ خِطابَ الرِّبا فَقالَ:- ﴿الَّذِينَ﴾ ولَمّا كانَ مِنَ الصَّحابَةِ مَن أكَلَ الرِّبا عَبَّرَ بِالمُضارِعِ إشارَةً إلى [أنَّ] هَذا الجَزاءَ يَخُصُّ المُصِرَّ فَقالَ: ﴿يَأْكُلُونَ الرِّبا﴾ وهو الزِّيادَةُ مِن جِنْسِ المَزِيدِ عَلَيْهِ المَحْدُودِ بِوَجْهٍ ما. انْتَهى. فَجَرى عَلى عادَةِ هَذا الذِّكْرِ الحَكِيمِ في ذِكْرِ أحَدِ الضِّدَّيْنِ بَعْدَ الآخَرِ، وعَبَّرَ بِالأكْلِ عَنِ التَّناوُلِ، لِأنَّهُ أكْبَرُ المَقاصِدِ وأضَرُّها ويَجْرِي (p-١١٠)مِنَ الإنْسانِ مَجْرى الدَّمِ كالشَّيْطانِ ﴿لا يَقُومُونَ﴾ أيْ عِنْدَ البَعْثِ يَظْهَرُ ثِقْلُهُ في بُطُونِهِمْ فَيَمْنَعُهُمُ النَّشاطَ ويَكُونُ ذَلِكَ سِيماهم يُعْرَفُونَ بِهِ بَيْنَ أهْلِ المَوْقِفِ هَتْكًا لَهم وفَضِيحَةً. وقالَ الحَرالِّيُّ: في إطْلاقِهِ إشْعارٌ بِحالِهِمْ في الدُّنْيا والبَرْزَخِ والآخِرَةِ، فَفي إعْلامِهِ إيذانٌ بِأنَّ آكِلَهُ يُسْلَبُ عَقْلَهُ ويَكُونُ بَقاؤُهُ في الدُّنْيا بِخُرْقٍ لا بِعَقْلٍ، يُقْبِلُ في مَحَلِّ الإدْبارِ ويُدْبِرُ في مَحَلِّ الإقْبالِ انْتَهى. وهو مُؤَيَّدٌ بِالمُشاهَدَةِ فَإنّا لَمْ نَرَ ولَمْ نَسْمَعْ قَطُّ بِآكِلِ رِبا يَنْطِقُ بِالحِكْمَةِ ولا يُشْهَرُ بِفَضِيلَةٍ بَلْ هم أدْنى النّاسِ وأدْنَسُهم ﴿إلا كَما يَقُومُ﴾ المَصْرُوعُ ﴿الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ﴾ أيْ يَتَكَلَّفُ خَبْطَهُ ويُكَلِّفُهُ إيّاهُ ويَشُقُّ بِهِ عَلَيْهِ ﴿الشَّيْطانُ﴾ ولَمّا كانَ ذَلِكَ قَدْ يَظُنُّ أنَّهُ يَخْبِطُ الفِكْرَ بِالوَسْوَسَةِ مَثَلًا قالَ: ﴿مِنَ﴾ أيْ تَخَبُّطًا مُبْتَدِئًا مِنَ ﴿المَسِّ﴾ أيِ الجُنُونِ، فَأشارَ سُبْحانَهُ وتَعالى بِذَلِكَ إلى المَنعِ مِن أنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ مِن حَرامٍ ولا سِيَّما الرِّبا، وإلى أنَّ الخَبِيثَ المَنهِيَّ عَنْ تَيَمُّمِ إنْفاقِهِ قِسْمانِ: حِسِّيٌّ ومَعْنَوِيٌّ، (p-١١١)والنَّهْيُ في المَعْنَوِيِّ أشَدُّ. وقالَ البَيْضاوِيُّ تَبَعًا لِلزَّمَخْشَرِيِّ: وهو _أيِ التَّخَبُّطُ والمَسُّ_ وارِدٌ عَلى ما يَزْعُمُونَ _أيِ العَرَبُ_ أنَّ الشَّيْطانَ يَخْبِطُ الإنْسانَ فَيُصْرَعُ وأنَّ الجِنِّيَّ يَمَسُّهُ فَيَخْتَلِطُ عَقْلُهُ. انْتَهى. وظاهِرُهُ إنْكارُ ذَلِكَ ولَيْسَ بِمُنْكَرٍ بَلْ هو الحَقُّ الَّذِي لا مِرْيَةَ فِيهِ، قالَ المَهْدَوِيُّ في تَفْسِيرِهِ: وهَذا دَلِيلٌ عَلى مَن أنْكَرَ [أنَّ] الصَّرْعَ مِن جِهَةِ الجِنِّ وزَعَمَ أنَّهُ فِعْلُ الطَّبائِعِ. وقالَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتازانِيُّ في شَرْحِ المَقاصِدِ: وبِالجُمْلَةِ فالقَوْلُ بِوُجُودِ المَلائِكَةِ والجِنِّ والشَّياطِينِ مِمّا انْعَقَدَ [عَلَيْهِ] إجْماعُ الآراءِ [و] نَطَقَ بِهِ كَلامُ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى وكَلامُ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وحُكِيَ مُشاهَدَةُ الجِنِّ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ العُقَلاءِ وأرْبابِ المُكاشَفاتِ مِنَ الأوْلِياءِ، فَلا وجْهَ لِنَفْيِها؛ وقالَ: الجِنُّ أجْسامٌ لَطِيفَةٌ هَوائِيَّةٌ تَتَشَكَّلُ بِأشْكالٍ مُخْتَلِفَةٍ ويَظْهَرُ مِنها أحْوالٌ عَجِيبَةٌ، والشَّياطِينُ أجْسامٌ نارِيَّةٌ شَأْنُها إلْقاءُ النّاسِ في الفَسادِ والغَوايَةِ؛ ولِكَوْنِ الهَواءِ والنّارِ في غايَةِ اللَّطافَةِ والتَّشْفِيفِ كانَتِ المَلائِكَةُ والجِنُّ والشَّياطِينُ يَدْخُلُونَ المَنافِذَ الضَّيِّقَةَ حَتّى أجْوافَ (p-١١٢)النّاسِ ولا يُرَوْنَ بِحِسِّ البَصَرِ إلّا إذا اكْتَسَبُوا مِنَ المُمْتَزَجاتِ. انْتَهى. وقَدْ ورَدَ في كَثِيرٍ مِنَ الأحادِيثِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّ «الشَّيْطانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرى الدَّمِ» ووَرَدَ «أنَّهُ ﷺ أخْرَجَ الصّارِعَ مِنَ الجِنِّ مِن جَوْفِ المَصْرُوعِ في صُورَةِ كَلْبٍ» ونَحْوُ ذَلِكَ؛ وفي كُتُبِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى المُتَقَدِّمَةِ ما لا يُحْصى مِن مِثْلِ ذَلِكَ، فَأمّا مُشاهَدَةُ المَصْرُوعِ يُخْبِرُ بِالمُغَيَّباتِ وهو مَصْرُوعٌ غائِبُ الحِسِّ، ورُبَّما كانَ يُلْقى في النّارِ وهو لا يَحْتَرِقُ، ورُبَّما ارْتَفَعَ في الهَواءِ مِن غَيْرِ رافِعٍ، فَكَثِيرٌ جِدًّا لا يُحْصى مُشاهِدُوهُ - إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ المُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ أنَّ ذَلِكَ مِنَ الجِنِّ أوِ الشَّياطِينِ؛ وها أنا أذْكُرُ لَكَ مِن أحادِيثِ النَّبِيِّ ﷺ [ثُمَّ] مِن كُتُبِ اللَّهِ القَدِيمَةِ ما فِيهِ مُقْنِعٌ لِمَن تَدَبَّرَهُ - واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى المُوَفِّقُ - رَوى الدّارِمِيُّ في أوائِلِ مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما: «أنَّ امْرَأةً جاءَتْ بِابْنٍ لَها إلى النَّبِيِّ ﷺ (p-١١٣)فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ! إنَّ ابْنِي بِهِ جُنُونٌ وإنَّهُ يَأْخُذُهُ عِنْدَ أغْدائِنا وعَشائِنا فَيَخْبُثُ عَلَيْنا، فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَدْرَهُ ودَعا [فَثَعَّ ثَعَّةً] وخَرَجَ مِن صَدْرِهِ مِثْلُ الجَرْوِ الأسْوَدِ ”فَثَعَّ ثَعَّةً بِمُثَلَّثَةٍ ومُهْمَلَةٍ أيْ قاءَ“». ولِلدّارِمِيِّ أيْضًا وعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ حَسَنٍ أيْضًا عَنْ جابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ قالَ: «”خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ في سَفَرٍ فَرَكِبْنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَنا كَأنَّما عَلى رُؤُوسِنا الطَّيْرُ تُظِلُّنا، فَعَرَضَتْ لَهُ امْرَأةٌ مَعَها صَبِيٌّ [لَها] فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ! إنَّ ابْنِي هَذا يَأْخُذُهُ الشَّيْطانُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلاثَ مِرارٍ، فَتَناوَلَ الصَّبِيَّ فَجَعَلَهُ بَيْنَهُ وبَيْنَ مُقَدَّمِ الرَّحْلِ ثُمَّ قالَ: اخْسَأْ عَدُوَّ اللَّهِ أنا رَسُولُ اللَّهِ ثَلاثًا! ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْها» وأخْرَجَهُ الطَّبَرانِيُّ مِن وجْهٍ آخَرَ وبَيَّنَ أنَّ السَّفَرَ غَزْوَةُ ذاتِ الرِّقاعِ وأنَّ ذَلِكَ في حَرَّةِ واقِمٍ، قالَ جابِرُ: (p-١١٤)«فَلَمّا قَضَيْنا سَفَرَنا مَرَرْنا بِذَلِكَ المَكانِ فَعَرَضَتْ لَنا المَرْأةُ ومَعَها صَبِيُّها ومَعَها كَبْشانِ تَسُوقُهُما فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ! اقْبَلْ مِنِّي هَدِيَّتِي، فَوالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ما عادَ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ! فَقالَ: خُذُوا مِنها واحِدًا ورُدُّوا عَلَيْها الآخَرَ» ورَوى البَغْوِيُّ في شَرْحِ السُّنَّةِ عَنْ يَعْلى بْنِ مُرَّةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ. وفي الإنْجِيلِ مِن ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا، قالَ في إنْجِيلِ مَتّى ولُوقا ومُرْقُسَ يَزِيدُ أحَدُهم عَلى الآخَرِ وقَدْ جَمَعْتُ بَيْنَ ألْفاظِهِمْ: وجاءَ يَعْنِي عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى عَبْرِ البَحْرِ إلى كُورَةِ الجِرْجِسِيِّينَ، وقالَ في إنْجِيلِ لُوقا: [الَّتِي] هي مُقابِلُ عَبْرِ الجَلِيلِ، فَلَمّا خَرَجَ مِنَ السَّفِينَةِ اسْتَقْبَلَهُ [مَجْنُونٌ، قالَ لُوقا: مِنَ المَدِينَةِ مَعَهُ شَياطِينُ، وقالَ مَتّى] مَجْنُونانِ جائِيانِ مِنَ المَقابِرِ رَدِيئانِ جِدًّا حَتّى أنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ أحَدٌ أنْ يَجْتازَ مِن تِلْكَ الطَّرِيقِ فَصاحا قائِلَيْنِ: ما لَنا ولَكَ يا يَسُوعُ! جِئْتَ لِتُعَذِّبَنا قَبْلَ الزَّمانِ؛ قالَ لُوقا: (p-١١٥)وكانَ يُرْبَطُ بِالسَّلاسِلِ والقُيُودِ ويُحْبَسُ، وكانَ يَقْطَعُ الرِّباطَ ويَقُودُهُ الشَّيْطانُ إلى البَرارِي، فَسَألَهُ يَسُوعُ: ما اسْمُكَ؟ فَقالَ: لاجاوْنَ، لِأنَّهُ دَخَلَ فِيهِ شَياطِينُ كَثِيرَةٌ؛ وقالَ مُرْقُسُ: فَقالَ لَهُ: اخْرُجْ أيُّها الرُّوحُ النَّجِسُ! اخْرُجْ مِنَ الإنْسانِ، ثُمَّ قالَ لَهُ: ما اسْمُكَ؟ فَقالَ: لاجاوْنَ اسْمِي لِأنّا كَثِيرٌ، وطَلَبَ إلَيْهِ أنْ يُرْسِلَهم خارِجًا مِنَ الكُورَةِ؛ وكانَ هُناكَ نَحْوَ الجَبَلِ قَطِيعُ خَنازِيرَ كَثِيرَةٍ يَرْعى بَعِيدًا مِنهُمْ، فَطَلَبَ إلَيْهِ الشَّياطِينُ [قائِلِينَ]: إنْ كُنْتَ تُخْرِجُنا فَأرْسِلْنا إلى قَطِيعِ الخَنازِيرِ [فَقالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا، وقالَ مُرْقُسُ: فَأذِنَ لَهم يَسُوعُ، فَلِلْوَقْتِ خَرَجَتِ الأرْواحُ النَّجِسَةُ ودَخَلَتْ في الخَنازِيرِ] وقالَ: [مَتّى]: فَلَمّا خَرَجُوا ومَضَوْا في الخَنازِيرِ وإذا بِقَطِيعِ خَنازِيرَ قَدْ وثَبَ عَلى جُرُفٍ وتَواقَعَ في البَحْرِ وماتَ جَمِيعُهُ في المِياهِ، (p-١١٦)وأنَّ الرُّعاةَ هَرَبُوا ومَضَوْا إلى المَدِينَةِ وأخْبَرُوهم بِكُلِّ شَيْءٍ وبِالمَجْنُونَيْنِ، فَخَرَجَ كُلُّ مَن في المَدِينَةِ لِلِقاءِ يَسُوعَ؛ قالَ مُرْقُسُ: وأبْصَرُوا ذَلِكَ المَجْنُونَ جالِسًا [لابِسًا] عَفِيفًا فَخافُوا، فَلَمّا أبْصَرُوهُ - يَعْنِي عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - طَلَبُوا إلَيْهِ أنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ تُخُومِهِمْ؛ قالَ لُوقا: لِأنَّهم خافُوا عَظِيمًا، وقالَ مُرْقُسُ: فَلَمّا صَعِدَ السَّفِينَةَ طَلَبَ إلَيْهِ المَجْنُونُ أنْ يَكُونَ مَعَهُ فَلَمْ يَدْعُهُ يَسُوعُ لَكِنْ [قالَ لَهُ] امْضِ إلى بَيْتِكَ وعَرِّفْهم صُنْعَ الرَّبِّ [بِكَ] ورَحْمَتَهُ إيّاكَ، فَذَهَبَ وكَرَزَ في العَشْرَةِ مُدُنٍ، وقالَ كُلَّ ما صَنَعَ بِهِ يَسُوعُ فَتَعَجَّبَ [جَمِيعُهُمْ؛ وفي إنْجِيلِ لُوقا مَعْناهُ، وفي آخِرِهِ: فَذَهَبَ وكانَ يُنادِي في المَدِينَةِ كُلِّها بِكُلِّ ما صَنَعَهُ مَعَهُ يَسُوعُ؛ وفي إنْجِيلِ مَتّى: فَلَمّا خَرَجَ يَسُوعُ مِن هُناكَ قَدَّمُوا إلَيْهِ أخْرَسَ بِهِ شَيْطانٌ، فَلَمّا خَرَجَ الشَّيْطانُ تَكَلَّمَ الأخْرَسُ، فَتَعَجَّبَ] الجَمِيعُ قائِلِينَ: لَمْ يَظْهَرْ قَطُّ هَكَذا في بَنِي إسْرائِيلَ، فَقالَ الفَرِيسِيُّونَ: إنَّهُ بارَكُونُ الشَّياطِينِ (p-١١٧)يُخْرِجُ الشَّياطِينَ.
ثُمَّ قالَ: حِينَئِذٍ أُتِيَ إلَيْهِ بِأعْمى بِهِ شَيْطانٌ أخْرَسَ، فَأبْرَأهُ حَتّى أنَّ الأخْرَسَ تَكَلَّمَ وأبْصَرَ، فَبُهِتَ الجَمْعُ [كُلُّهُمْ] وقالُوا: لَعَلَّ هَذا هو ابْنُ داوُدَ، فَتَسَمَّعَ الفَرِيسِيُّونَ فَقالُوا: هَذا لا يُخْرِجُ الشَّياطِينَ إلّا بِباعِلَ زَبُولَ رَئِيسِ الشَّياطِينِ. وفِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ: فَلَمّا جاءَ إلى الجَمْعِ جاءَ إلَيْهِ إنْسانٌ ساجِدًا لَهُ قائِلًا: يا رَبُّ! وفي إنْجِيلِ لُوقا: يا مُعَلِّمُ! ارْحَمِ ابْنِي، فَإنَّهُ يُعَذَّبُ في رُؤُوسِ الأهِلَّةِ، ومِرارًا كَثِيرَةً يُرِيدُ أنْ يَنْطَلِقَ في النّارِ، ومِرارًا كَثِيرَةً في الماءِ؛ وفي إنْجِيلِ مُرْقُسَ: قَدْ أتَيْتُكَ بِابْنِي! وبِهِ رُوحٌ نَجِسٌ وحَيْثُ ما أدْرَكَهُ صَرَعَهُ وأزْبَدَهُ وضَرَّرَ أسْنانَهُ فَتَرَكَهُ يابِسًا، وفي إنْجِيلِ لُوقا: أضْرَعُ إلَيْكَ أنْ تَنْظُرَ إلى ابْنِي، لِأنَّهُ وحِيدِي، ورُوحٌ يَأْخُذُهُ فَيَصْرُخُ بَغْتَةً ويَلْبِطُهُ بِجَهْلٍ، ويَزِيدُ عِنْدَ انْفِصالِهِ عَنْهُ ويَرْضُضُهُ، وضَرَعْتُ (p-١١٨)لِتَلامِيذِكَ أنْ يُخْرِجُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا؛ وفي إنْجِيلِ [مَتّى]: وقَدَّمْتُهُ إلى تَلامِيذِكَ فَلَمْ يَقْدِرُوا أنْ يُبْرِئُوهُ، أجابَ يَسُوعُ: أيُّها الجِيلُ الأعْوَجُ [غَيْرُ المُؤْمِنِ]! إلى مَتى أكُونُ مَعَكُمْ! وحَتّى [مَتى] أحْتَمِلُكُمْ! قَدِّمْهُ إلى هُنا؛ وفي إنْجِيلِ لُوقا: وفِيما هو جاءَ بِهِ طَرَحَهُ الشَّيْطانُ ولَبَطَهُ؛ وفي إنْجِيلِ مُرْقُسَ: فَلَمّا رَأتْهُ الرُّوحُ النَّجِسَةُ مِن ساعَتِهِ صَرَعَتْهُ وسَقَطَ عَلى الأرْضِ مُضْطَرِبًا مُزْبِدًا؛ ثُمَّ قالَ لِأبِيهِ: مِن كَمْ أصابَهُ هَذا؟ فَقالَ: مُنْذُ صِباهُ، ثُمَّ قالَ ما مَعْناهُ: افْعَلْ مَعَهُ ما اسْتَطَعْتَ وتَحَنَّنْ عَلَيْنا، فَقالَ لَهُ يَسُوعُ: كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطاعٌ لِلْمُؤْمِنِ، فَصاحَ أبُو الصَّبِيِّ وقالَ: أنا أُومِنُ فَأعِنْ ضَعْفَ إيمانِي، فَلَمّا رَأى يَسُوعُ تَكاثُرَ الجَمْعِ انْتَهَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ وقالَ: يا أيُّها الرُّوحُ الأصَمُّ غَيْرُ النّاطِقِ! أنا آمُرُكَ أنْ تَخْرُجَ مِنهُ ولا تَدْخُلَ فِيهِ، فَصَرَخَ (p-١١٩)ولَبَطَهُ كَثِيرًا وخَرَجَ مِنهُ وصارَ كالمَيِّتِ، وقالَ كَثِيرٌ: إنَّهُ ماتَ، فَأمْسَكَ يَسُوعُ بِيَدِهِ وأقامَهُ فَوَقَفَ؛ وفي إنْجِيلِ مَتّى: فانْتَهَرَهُ يَسُوعُ فَخَرَجَ مِنهُ الشَّيْطانُ وبَرِئَ الفَتى في تِلْكَ السّاعَةِ، حِينَئِذٍ أتى التَّلامِذَةُ إلى يَسُوعَ مُنْفَرِدِينَ وقالُوا [لَهُ]: لِماذا لَمْ نَقْدِرْ نَحْنُ نُخْرِجُهُ؟ فَقالَ لَهم يَسُوعُ: مِن أجْلِ قِلَّةِ إيمانِكُمُ، الحَقَّ أقُولُ لَكم أنْ لَوْ كانَ لَكم إيمانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ لَقُلْتُمْ لِهَذا الجَبَلِ: انْتَقِلْ مِن هاهُنا إلى هُناكَ، فَيَنْتَقِلُ ولا يَعْسُرُ عَلَيْكم شَيْءٌ، وهَذا الجِنْسُ لا يَخْرُجُ إلّا بِالصَّوْمِ والصَّلاةِ؛ وقالَ مُرْقُسُ: لا يُسْتَطاعُ أنْ يُخْرَجَ بِشَيْءٍ إلّا بِصَلاةٍ وصَوْمٍ؛ وقالَ في إنْجِيلِ مُرْقُسَ: إنَّهُ كانَ يُعَلِّمُ في كَفْرِناحُومَ مَدِينَةٍ في الجَلِيلِ، قالَ: وكانَ في مَجْمَعِهِمْ رَجُلٌ فِيهِ رُوحُ شَيْطانٍ نَجِسٌ فَصاحَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قائِلًا: ما لَنا ولَكَ يا يَسُوعُ النّاصِرِيُّ! أتَيْتَ لِتُهْلِكَنا! قَدْ عَرَفْنا مَن أنْتَ يا قُدُّوسَ اللَّهِ! فَنَهَرَهُ يَسُوعُ قائِلًا: اسْدُدْ (p-١٢٠)فاكَ واخْرُجْ مِنهُ! فَأقْلَقَتْهُ الرُّوحُ النَّجِسَةُ وصاحَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وخَرَجَ مِنهُ؛ وفي إنْجِيلِ لُوقا: فَطَرَحَهُ الشَّيْطانُ في وسَطِهِمْ وخَرَجَ مِنهُ ولَمْ يُؤْلِمْهُ وخافَ الجَمْعُ مُخاطِبِينَ بَعْضَهم بَعْضًا قائِلِينَ: ما هو هَذا العِلْمُ الجَدِيدُ الَّذِي سُلْطانُهُ يَأْمُرُ الأرْواحَ النَّجِسَةَ فَتُطِيعُهُ! وخَرَجَ خَبَرُهُ في كُلِّ كُورَةِ الجَلِيلِ؛ وفِيهِ: ثُمَّ قامَ مِن هُناكَ وذَهَبَ إلى تُخُومِ صُوَرَ وصَيْدا ودَخَلَ إلى بَيْتٍ فَأرادَ أنْ لا يَعْلَمَ أحَدٌ بِهِ، فَلَمْ يَقْدِرْ أنْ يَخْتَفِيَ، فَلَمّا سَمِعَتِ امْرَأةٌ كانَتْ بِابْنَةٍ لَها رُوحٌ نَجِسٌ جاءَتْ إلَيْهِ وسَجَدَتْ قُدّامَ قَدَمَيْهِ، وكانَتْ يُونانِيَّةً صُورِيَّةً، وسَألَتْهُ أنْ يُخْرِجَ الشَّيْطانَ مِنَ ابْنَتِها، فَقالَ لَها: دَعِي البَنِينَ حَتّى يَشْبَعُوا أوَّلًا، لا تَحْسَبَنَّ (p-١٢١)أنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ البَنِينَ يُدْفَعُ لِلْكِلابِ، وأجابَتْ بِنَعَمْ يا رَبُّ! والكِلابُ أيْضًا تَأْخُذُ مِمّا يَسْقُطُ مِنَ المائِدَةِ مِن فُتاتِ الأطْفالِ، [فَقالَ] لَها مِن أجْلِ هَذِهِ الكَلِمَةِ: اذْهَبِي قَدْ خَرَجَ [الشَّيْطانُ مِنَ ابْنَتِكِ، فَذَهَبَتْ إلى بِنْتِها فَوَجَدَتِ الصَّبِيَّةَ عَلى السَّرِيرِ والشَّيْطانُ قَدْ خَرَجَ] مِنها؛ وفي [آخِرِ] إنْجِيلِ مُرْقُسَ: إنَّهُ أخْرَجَ مِن مَرْيَمَ المَجْدَلانِيَّةِ سَبْعَةَ شَياطِينَ؛ وفي إنْجِيلِ لُوقا: وكانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَسِيرُ إلى كُلِّ مَدِينَةٍ وقَرْيَةٍ ويَكْرِزُ ويُكَبِّرُ بِمَلَكُوتِ اللَّهِ ومَعَهُ الِاثْنا عَشَرَ ونِسْوَةٌ كُنَّ أبْرَأهُنَّ مِنَ الأمْراضِ والأرْواحِ الخَبِيثَةِ: مَرْيَمُ الَّتِي تُدْعى المَجْدَلانِيَّةَ الَّتِي أخْرَجَ [مِنها] سَبْعَةَ شَياطِينَ ومَرْثا امْرَأةُ خُوزِي خازِنِ هِينَ ودَسُّ وسَوْسَنَةُ وأخَواتٌ كَثِيراتٌ؛ وفي إنْجِيلِ لُوقا: وفِيما هو يُعَلِّمُ في أحَدِ المَجامِعِ في السَّبْتِ فَإذا امْرَأةٌ مَعَها رُوحٌ (p-١٢٢)مُزْمِنٌ مُنْذُ ثَمانِي عَشْرَةَ سَنَةً وكانَتْ مُنْحَنِيَةً لا تَقْدِرُ أنْ تَسْتَوِيَ البَتَّةَ، فَنَظَرَ إلَيْها يَسُوعُ وقالَ: يا امْرَأةُ! أنْتِ مَحْلُولَةٌ مِن مَرَضِكِ [ووَضَعَ يَدَهُ عَلَيْها، فاسْتَقامَتْ لِلْوَقْتِ ومَجَّدَتِ اللَّهَ، فَأجابَ رَئِيسُ الجَماعَةِ وهو مُغْضَبٌ] وقالَ لِلْجَمِيعِ: لَكم سِتَّةُ أيّامٍ يَنْبَغِي العَمَلُ فِيها وفِيها تَأْتُونَ وتَسْتَشْفِعُونَ إلّا في السَّبْتِ! فَقالَ: يا مُراؤُونَ! واحِدٌ [مِنكُمْ] يَحُلُّ ثَوْرَهُ أوْ حِمارَهُ مِنَ المُدُودِ في السَّبْتِ ويَذْهَبُ فَيَسْقِيهِ وهَذِهِ ابْنَةُ إبْراهِيمَ كانَ الشَّيْطانُ قَدْ رَبَطَها مُنْذُ ثَمانِي عَشْرَةَ سَنَةً! أما كانَ يَحِلُّ أنْ تُطْلَقَ مِن هَذا الرِّباطِ في يَوْمِ السَّبْتِ؟ فَلَمّا قالَ هَذا الكَلامَ أخْزى كُلَّ مَن كانَ يُقاوِمُهُ، وكُلُّ الشَّعْبِ كانُوا يَفْرَحُونَ بِالأعْمالِ الحَسَنَةِ الَّتِي كانَتْ مِنهُ. انْتَهى.
وإنَّما كَتَبْتُ هَذا مَعَ كَوْنِ ما نُقِلَ عَنْ نَبِيِّنا ﷺ كافِيًا لِأنَّهُ لا يَدْفَعُ أنْ يَكُونَ فِيهِ إيناسٌ لَهُ ومُصادَقَةٌ تَزِيدُ في الإيمانِ مَعَ أنَّ فِيهِ دَلائِلَ رادَّةً عَلى النَّصارى في ادِّعائِهِمُ التَّثْلِيثَ والِاتِّحادَ (p-١٢٣)وأحْسَنُ ما رَدَّ عَلى الإنْسانِ مِن كَلامِهِ وبِما يَعْتَقِدُهُ، وسَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى في المائِدَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى:“ وما مِن إلَهٍ إلّا الله ”ما يَلْتَفِتُ إلى بَعْضِ هَذا ويَشْرَحُهُ شَرْحًا جَيِّدًا نافِعًا وكَذا في جَمِيعِ ما أنْقُلُهُ مِنَ الإنْجِيلِ كَما سَتَراهُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى في مَواضِعِهِ، وكُلُّ ما فِيهِ مِن مُتَشابِهٍ لَمْ تَأْلَفْهُ مِمّا يُوهِمُ اتِّحادًا أوْ تَثْلِيثًا فَلا تَزْدَدْ نَفْرَتُكَ مِنهُ وراجِعْ ما سَيُقَرَّرُ في آلِ عِمْرانَ وغَيْرِها يَرْجِعْ مَعَكَ إلى المُحْكَمِ رُجُوعًا جَلِيًّا، عَلى أنَّ أكْثَرَهُ إذا تُؤُمِّلَتْ أطْرافُهُ وجَدْتَهُ لا شُبْهَةَ فِيهِ أصْلًا، وإنْ لَمْ تَكُنْ أهْلًا لِلْجَرْيِ في مِضْمارِ ما يُنْسَبُ إلى أمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ: كُنْ مِمَّنْ يَعْرِفُ الرِّجالَ بِالحَقِّ ولا تَكُنْ مِمَّنْ يَعْرِفُ الحَقَّ بِالرِّجالِ، فانْظُرْ كِتابَ الرَّدِّ الجَمِيلِ لِإلَهِيَّةِ عِيسى بِصَرِيحِ الإنْجِيلِ لِحُجَّةِ الإسْلامِ أبِي حامِدٍ الغَزالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى تَجِدْهُ أوَّلَ كَثِيرًا مِمّا ذَكَرْتُهُ بِمِثْلِ تَأْوِيلِي أوْ قَرِيبٍ مِنهُ، ولَمْ أرَ كِتابَهُ إلّا بَعْدَ كِتابَتِي لِذَلِكَ. (p-١٢٤)واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى المُوَفِّقُ.
وفِي الآيَةِ إشارَةٌ إلى أنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى [قَضى] بِنَزْعِ نُورِ العَقْلِ مِنَ المُرْبِي ودَلَّ عَلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ الأمْرُ البَعِيدُ مِنَ الصَّوابِ ﴿بِأنَّهُمْ﴾ أيِ المُرْبُونَ ﴿قالُوا﴾ جِدالًا لِأهْلِ اللَّهِ ﴿إنَّما البَيْعُ﴾ أيِ الَّذِي تَحْصُرُونَ [الحِلَّ] فِيهِ يا أهْلَ الإسْلامِ ﴿مِثْلُ الرِّبا﴾ في أنَّ كُلًّا مِنهُما مُعاوَضَةٌ، فَنَحْنُ نَتَعاطى الرِّبا كَما تَتَعاطَوْنَ أنْتُمُ البَيْعَ، فَما لَكم تُنْكِرُونَهُ عَلَيْنا؟ فَجَعْلُهُمُ الرِّبا أصْلًا انْسِلاخٌ مِمّا أوْدَعَهُ اللَّهُ في نُورِ العَقْلِ وحُكْمِ الشَّرْعِ وسَلامَةِ الطَّبْعِ مِنَ الحِكْمَةِ؛ والبَيْعُ كَما عَرَّفَهُ الفُقَهاءُ نَقْلُ مِلْكٍ بِثَمَنٍ. وقالَ الحَرالِّيُّ: هو رَغْبَةُ المالِكِ عَمّا في يَدِهِ إلى ما في يَدِ غَيْرِهِ، والشِّراءُ رَغْبَةُ المُسْتَمْلِكِ فِيما في يَدِ غَيْرِهِ بِمُعاوَضَةٍ بِما في يَدِهِ مِمّا رَغِبَ عَنْهُ، فَلِذَلِكَ كُلُّ شارٍ بائِعٌ ﴿وأحَلَّ﴾ أيْ والحالُ أنَّهُ أحَلَّ ﴿اللَّهُ﴾ الَّذِي لَهُ تَمامُ العَظَمَةِ المُقْتَضِيَةِ لِلْعَدْلِ ﴿البَيْعُ﴾ أيْ لِما فِيهِ مِن عَدْلِ الِانْتِفاعِ، لِأنَّهُ مُعاوَضَةٌ عَلى سَبِيلِ النَّصَفَةِ لِلتَّراضِي مِنَ الجانِبَيْنِ، لِأنَّ (p-١٢٥)الغَبْنَ فِيهِ غَيْرُ مُحَقَّقٍ عَلى واحِدٍ مِنهُما، لِأنَّ مَنِ اشْتَرى ما يُساوِي دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ يُمْكِنُ أنْ يَبِيعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِرَواجِهِ أوْ وُجُودِ راغِبٍ فِيهِ لِأمْرٍ دَعاهُ إلَيْهِ بِثَلاثَةٍ ﴿وحَرَّمَ الرِّبا﴾ لِما فِيهِ مِنَ اخْتِصاصِ أحَدِ المُتَعامِلَيْنِ بِالضَّرَرِ والغَبْنِ والآخَرِ بِالِاسْتِئْثارِ عَلى وجْهِ التَّحْقِيقِ، فَإنَّ مَن أخَذَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لا يُرْجى خَيْرُ ما فاتَهُ مِن ذَلِكَ الوَجْهِ أصْلًا، وكَذَلِكَ رِبا المُضاعَفَةِ وهو ما إذا طَلَبَ دَيْنَهُ فَكانَ الغَرِيمُ مُعْسِرًا فَألْزَمَهُ بِالدَّفْعِ أوِ الزِّيادَةِ في الدَّيْنِ فَإنَّهُ لَيْسَ في مُقابَلَةِ هَذا الزّائِدِ شَيْءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ المَدِينُ. قالَ الحَرالِّيُّ: فَيَقَعُ الإيثارُ قَهْرًا وذَلِكَ الجَوْرُ الَّذِي يُقابِلُهُ العَدْلُ الَّذِي غايَتُهُ الفَضْلُ، فَأجْوَرُ الجَوْرِ في الأمْوالِ الرِّبا، وأجْوَرُ الجَوْرِ في الرِّبا الرِّبا كالَّذِي [يَقْتُلُ] بِقَتِيلٍ قَتِيلَيْنِ، وكُلُّ مَن طَفَّفَ في مِيزانٍ فَتَطْفِيفُهُ رِبًا بِوَجْهٍ ما؛ ولِذَلِكَ تَعَدَّدَتْ أبْوابُ الرِّبا وتَكَثَّرَتْ؛ قالَ ﷺ:“الرِّبا بِضْعَةٌ وسَبْعُونَ بابًا، (p-١٢٦)والشِّرْكُ مِثْلُ ذَلِكَ وهَذا رَأْسُهُ"، وهو ما كانَتْ تَتَعامَلُ بِهِ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ، مِن قَوْلِهِمْ: إمّا أنْ تُرْبِيَ وإمّا أنْ تَقْضِيَ، ثُمَّ لَحِقَ بِهِ سائِرُ أبْوابِهِ، فَهو انْتِفاعٌ لِلْمُرْبِي وتَضَرُّرٌ لِلَّذِي يُعْطِي الرِّبا، وهَذا أشَدُّ الجَوْرِ بَيْنَ العَبِيدِ الَّذِينَ حَظُّهُمُ التَّساوِي في أمْرٍ بِلُغَةِ الدُّنْيا؛ فَكَما أعْلَمَهم سُبْحانَهُ وتَعالى أثَرَ حِكْمَةِ الخَيْرِ [فِي الإنْفاقِ] أعْلَمَهم أثَرَ حِكْمَةِ الشَّرِّ [فِي الرِّبا في دارِ الآخِرَةِ وفي غَيْبِ أمْرِ الدُّنْيا] وكَما أنَّهُ يُعَجِّلُ لِلْمُنْفِقِ خَلَفًا في الدُّنْيا كَذَلِكَ يُعَجِّلُ لِلْمُرْبِي مَحْقًا في الدُّنْيا حَسَبَ ما صَرَّحَ بِهِ الخِطابُ بَعْدَ هَذا الإشْعارِ. انْتَهى.
ومادَّةُ بَيَعَ بِجَمِيعِ تَقالِيبِها [التِّسْعَةِ] يائِيَّةٌ وواوِيَّةٌ مَهْمُوزَةٌ وغَيْرُ مَهْمُوزَةٍ: بَيَعَ وعَيَبَ وعَبَيَ وبَوَعَ وبَعَوَ ووَبَعَ ووَعَبَ وعَبَوَ وعَبا، تَدُورُ عَلى الِاتِّساعِ، فالبَيْعُ يَدُورُ عَلى التَّصَرُّفِ التّامِّ بِالقُوَّةِ تارَةً وبِالفِعْلِ أُخْرى، والَّذِي بِالفِعْلِ يَكُونُ بِالمِلْكِ تارَةً وبِغَيْرِهِ أُخْرى، والَّذِي بِالمِلْكِ يَكُونُ بِالتَّحْصِيلِ تارَةً وبِالإزالَةِ أُخْرى، ولا يَخْفى أنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنَ الاتِّساعِ فَمِنَ الَّذِي بِالقُوَّةِ: باعَهُ مِنَ السُّلْطانِ سَعى بِهِ إلَيْهِ، وامْرَأةٌ بائِعٌ إذا كانَتْ نافِقَةً لِجَمالِها، والبِياعَةُ السِّلْعَةُ، والبَيِّعُ كَسَيِّدٍ: المُساوِمُ، وأبَعْتُهُ بِمَعْنى عَرَضْتُهُ لِلْبَيْعِ؛ ومِنَ (p-١٢٧)الَّذِي بِالفِعْلِ [مِن] غَيْرِ مِلْكٍ: باعَ عَلى بَيْعِهِ أيْ قامَ مَقامَهُ في المَنزِلَةِ والرِّفْعَةِ وظَفِرَ بِهِ، وكَذا أبَعْتُ الرَّجُلَ فَرَسًا أيْ أعَرْتُهُ إيّاهُ لِيَغْزُوَ عَلَيْهِ؛ ومِنَ الَّذِي بِالمِلْكِ إزالَةً: بِعْتُهُ وأبَعْتُهُ أيْ أزَلْتُ مِلْكِي عَنْهُ بِثَمَنٍ، واسْتَباعَهُ سَألَهُ أنْ يَبِيعَهُ مِنهُ، وانْباعَ نَفَقَ، وانْباعَ لِي في سِلْعَتِهِ سامَحَ في بَيْعِها وامْتَدَّ إلى الإجابَةِ إلَيْهِ؛ ومِنَ الَّذِي بِالمِلْكِ تَحْصِيلًا: باعَ الشَّيْءَ بِمَعْنى اشْتَراهُ. قالَ الفارابِيُّ في دِيوانِ الأدَبِ: قالَ أبُو ثَرْوانَ: بِعْ لِي تَمْرًا بِدِرْهَمٍ - يُرِيدُ اشْتَرِ، وهَذا الحَرْفُ مِنَ الأضْدادِ، وابْتاعَهُ: اشْتَراهُ. والعَيْبُ بِمَعْنى الوَصْمَةِ تَوَسُّعُ الكَلامِ في العِرْضِ وسَبَبُهُ تَوَسُّعُ الإنْسانِ في قَوْلٍ أوْ فِعْلٍ عَلى غَيْرِ مِنهاجِ العَقْلِ، والعَيْبَةُ وِعاءٌ مِن أدَمٍ يُوضَعُ فِيهِ المَتاعُ وهي أيْضًا الصَّدْرُ والقَلْبُ ومَوْضِعُ السِّرِّ، والعائِبُ مِنَ اللَّبَنِ الخادِرُ أيِ الآخِذُ طَعْمَ حُمُوضَةٍ (p-١٢٨)إمّا مِنَ العَيْبِ وإمّا لِأنَّهُ انْتَشَرَ عَنْ طَعْمِهِ الأوَّلِ؛ والعَبايَةُ ضَرْبٌ مِنَ الأكْسِيَةِ لِاتِّساعِهِ عَنِ الأُزُرِ ونَحْوِها طُولًا وعَرْضًا والرَّجُلُ الجافِي الثَّقِيلُ تَشْبِيهًا بِها في الخُشُونَةِ والثَّقالَةِ، وتَعْبِئَةُ الجَيْشِ تَهْيِئَتُهُ مِن مَوْضِعِهِ كَأنَّ مَراكِزَهُ عِيابٌ لَهُ وُضِعَتْ كُلُّ فِرْقَةٍ مِنهُ في عَيْبَتِها، وعَيْبُكَ مِنَ الجَزُورِ نَصِيبُكَ، والتَّعابِي أنْ يَمِيلَ رَجُلٌ مَعَ قَوْمٍ وآخَرُ مَعَ آخَرِينَ لِأنَّ ذَلِكَ اتِّساعٌ بِالفَرِيقَيْنِ وانْتِشارٌ مِنَ الرَّجُلَيْنِ؛ ومِنَ المَهْمُوزِ العِبْءُ - بِالكَسْرِ وهو الحِمْلُ الثَّقِيلُ مِن أيِّ شَيْءٍ كانَ لِأنَّهُ بِقَدْرِ وُسْعِ الحامِلِ أوْ فَوْقَ وُسْعِهِ وهو أوْسَعُ مِمّا دُونَهُ مِنَ الأحْمالِ، وهو أيْضًا العَدْلُ لِأنَّهُ يَسَعُ ما يُوضَعُ فِيهِ والمِثْلَ، ويُفْتَحُ لِأنَّ الِاثْنَيْنِ أوْسَعُ مِنَ الواحِدِ، والعَبْءُ بِالفَتْحِ ضِياءُ الشَّمْسِ وهو واضِحٌ في السَّعَةِ، وعَبَأ المَتاعَ والأمْرَ [كَمَنَعَ] هَيَّأ كَعَبَّأهُ تَعْبِئَةً لِأنَّهُ (p-١٢٩)أعْطاهُ ما يَسَعُهُ ووَضَعَهُ في مَواضِعَ تَسَعُهُ، والطِّيبَ صَنَعَهُ وخَلَطَهُ فاتَّسَعَ بِالخَلْطِ وانْتَشَرَتْ رائِحَتُهُ بِالصَّنْعَةِ؛ والعَباءُ كِساءٌ مَعْرُوفٌ وهو يَسَعُ ما يُلَفُّ بِهِ كالعَبايَةِ، والأحْمَقُ الثَّقِيلُ الوَخِمُ وتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ ويُمْكِنُ جَعْلُهُ مِنَ العِبْءِ بِمَعْنى الحِمْلِ وبِمَعْنى الثَّقِيلِ [والمِعْبَأةُ] كَمِكْنَسَةٍ خِرْقَةُ الحائِضِ لِأنَّها بِقَدْرِ ما يَسَعُهُ الفَرْجُ، والمَعْبَأُ كَمَقْعَدٍ المَذْهَبُ لِاتِّساعِهِ لِلذّاهِبِ فِيهِ، وما أعْبَأُ بِهِ ما أصْنَعُ، وبِفُلانٍ: ما أُبالِي أيْ ما أُوَسِّعُ الفِكْرَ فِيهِ - انْتَهى المَهْمُوزُ؛ والباعُ قَدْرُ مَدِّ اليَدَيْنِ والشَّرَفُ والكَرَمُ، والبَوْعُ أبْعادُ خَطْوِ الفَرَسِ في جَرْيِهِ، وبَسْطُ اليَدِ بِالمالِ، والمَكانُ المُنْهَضِمُ أيِ المُطْمَئِنُّ في لِصْبِ الجَبَلِ - واللِّصْبُ بِالكَسْرِ الشِّعْبُ الصَّغِيرُ مِنَ الجَبَلِ أضْيَقُ مِنَ اللِّهْبِ وأوْسَعُ مِنَ الشِّقْبِ، واللِّهْبُ مَهْواةُ ما بَيْنَ كُلِّ جَبَلَيْنِ أوِ الصَّدْعُ في الجَبَلِ أوِ الشِّعْبُ الصَّغِيرُ، والشِّعْبُ بِالعَيْنِ الطَّرِيقُ في الجَبَلِ ومَسِيلُ الماءِ في بَطْنِ (p-١٣٠)أرْضٍ أوْ ما انْفَرَجَ بَيْنَ الجَبَلَيْنِ، والشِّقْبُ بِالقافِ صَدْعٌ يَكُونُ في لُهُوبِ الجِبالِ ولُصُوبِ الأوْدِيَةِ دُونَ الكَهْفِ تُوكِرُ فِيهِ الطَّيْرُ، وباعَةُ الدّارِ ساحَتُها، والبائِعُ ولَدُ الظَّبْيِ إذا باعَ في مَشْيِهِ، وانْباعَ العَرَقُ سالَ، والحَيَّةُ بَسَطَتْ نَفْسَها بَعْدَ تَحَوِّيها لِتُساوِرَ؛ والوَبّاعَةُ الِاسْتُ لِاتِّساعِها بِخُرُوجِ الخارِجِ مِنها، وكَذَبَتْ وبّاعَتُهُ أيْ حَبَقَ يَعْنِي ضَرَطَ، والوَبّاعَةُ مِنَ الصَّبِيِّ ما يَتَحَرَّكُ مِن يافُوخِهِ لِامْتِدادِهِ إلى الحَرَكَةِ، ووَعَبَهُ كَوَعَدَهُ أخَذَهُ أجْمَعَ، كَأوْعَبَهُ واسْتَوْعَبَهُ، وأوْعَبَ جَمَعَ، والشَّيْءَ في الشَّيْءِ أدْخَلَهُ كُلَّهُ أيْ وسَّعَهُ حَتّى دَخَلَ فِيهِ، والوَعْبُ مِنَ الطُّرُقِ: الواسِعَةُ، وبَيْتٌ وعِيبٌ واسِعٌ؛ والبَعْوُ الجِنايَةُ والجُرْمُ لِأنَّ ذَلِكَ يُوَسِّعُ الكَلامَ في العِرْضِ، وهو أيْضًا العارِيَةُ، وبَعاهُ قَمَرَهُ وأصابَ مِنهُ، وبَعاهُ بِالعَيْنِ أصابَهُ بِها كَأنَّهُ وسَّعَ لِعَيْنِهِ فِيهِ حَظًّا.
(p-١٣١)ولَمّا كانَ الوَعْظُ كَما قالَ الحَرالِّيُّ دَعْوَةَ الأشْياءِ بِما فِيها مِنَ العِبْرَةِ لِلِانْقِيادِ لِلْإلَهِ الحَقِّ بِما يُخَوِّفُها ويَقْبِضُها في مُقابَلَةِ التَّذْكِيرِ بِما يُرْجِيها ويَبْسُطُها، وكانَ فِيما أخْبَرَ بِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَنْ حالِ المُرْبِي أتَمُّ زاجِرٍ لِأنَّ أجَلَّ ما لِلْإنْسانِ بَعْدَ رُوحِهِ عَقْلُهُ سَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ: ﴿فَمَن جاءَهُ﴾ قالَ الحَرالِّيُّ: أطْلَقَ الكَلِمَةَ مِن عَلامَةِ التَّأْنِيثِ النّازِلِ الرُّتْبَةِ تَرْفِيعًا لِقَدْرِ هَذِهِ المَوْعِظَةِ الخَفِيَّةِ المُدْرَكِ العَظِيمَةِ المَوْقِعِ ﴿مَوْعِظَةٌ﴾ [بِناءُ] مُبالَغَةٍ وإعْلاءٌ لِما أشْعَرَتِ المَفْعَلَةُ الزّائِدَةُ الحُرُوفِ عَلى أصْلِ لَفْظِ الوَعْظِ بِما يُشْعِرُ بِهِ المِيمُ مِنَ التَّمامِ والهاءُ مِنَ الانْتِهاءِ، فَوَضْعُ الأحْكامِ حِكْمَةٌ، والإعْلامُ بِثَمَراتِها في الآخِرَةِ مَوْعِظَةٌ تُشَوِّقُ النَّفْسَ إلى رَغْبَتِها ورَهْبَتِها. انْتَهى.
ولَمّا كانَ التَّخْوِيفُ مِنَ المُحْسِنِ أرْدَعَ لِأنَّ النَّفْسَ مِنهُ أقْبَلُ قالَ: ﴿مِن رَبِّهِ﴾ أيِ المُرَبِّي لَهُ المُحْسِنِ إلَيْهِ بِكُلِّ ما هو فِيهِ مِنَ الخَيْرِ.
(p-١٣٢)قالَ الحَرالِّيُّ: في إشْعارِهِ [أنَّ] مِن أصْلِ التَّرْبِيَةِ الحَمِيَّةَ مِن هَذا الرِّبا. انْتَهى.
﴿فانْتَهى﴾ أيْ عَمّا كانَ سَبَبًا لِلْوَعْظِ. قالَ الحَرالِّيُّ: أتى بِالفاءِ المُعَقِّبَةِ فَلَمْ يَجْعَلْ [فِيهِ] فُسْحَةً ولا قَرارًا عَلَيْهِ لِما فِيهِ مِن خَبَلِ العَقْلِ الَّذِي [هُوَ أصْلُ] مَزِيَّةِ الإنْسانِيَّةِ وإنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ حُكَماءُ الدُّنْيا ولا أطِبّاؤُها. انْتَهى.
ولَمّا كانَ السِّياقُ بِما أرْشَدَ إلَيْهِ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ بِأنَّهم قالُوا﴾ دالًّا عَلى أنَّ الآيَةَ في الكَفَرَةِ وأنَّ المُرادَ بِالأكْلِ الِاسْتِحْلالُ أكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلَهُ ما سَلَفَ﴾ أيْ مِن قَبِيحِ ما ارْتَكَبَهُ بَعْدَ أنْ كانَ عَلَيْهِ ولا يَتْبَعُهُ [شَيْءٌ] مِن جَرِيرَتِهِ لِأنَّ الإسْلامَ يَجُبُّ ما قَبْلَهُ وتَوْبَةُ المُؤْمِنِ لا تَجُبُّ المَظالِمَ. قالَ الحَرالِّيُّ: والسَّلَفُ هو الأمْرُ الماضِي بِكُلِّيَّتِهِ الباقِي بِخَلْفِهِ، وقالَ: في إعْلامِهِ إيذانٌ بِتَحْلِيلِ ما اسْتَقَرَّ في أيْدِيهِمْ مِن رِبا الجاهِلِيَّةِ بِبَرَكَةِ تَوْبَتِهِمْ مِنَ اسْتِئْنافِ العَمَلِ بِهِ في الإسْلامِ لَمّا كانَ الإسْلامُ يَجُبُّ ما قَبْلَهُ، وفي طَيِّ إشْعارِهِ تَعْرِيضٌ بِرَدِّهِ لِمَن (p-١٣٣)يَأْخُذُ لِنَفْسِهِ بِالأفْضَلِ ويُقَوِّي إشْعارَهُ [قَوْلُهُ] ﴿وأمْرُهُ إلى اللَّهِ﴾ انْتَهى، أيْ فَهو يُعامِلُهُ بِما لَهُ مِنَ الجَلالِ والإكْرامِ بِما يَعْلَمُهُ مِن نِيَّتِهِ مِن خُلُوصٍ وغَيْرِهِ.
ولَمّا كانَ المُرْبُونَ بَعْدَ هَذِهِ الزَّواجِرِ بَعِيدِينَ مِن رَحْمَةِ اللَّهِ عَبَّرَ عَنْهم سُبْحانَهُ وتَعالى بِأداةِ البُعْدِ في قَوْلِهِ: ﴿ومَن عادَ﴾ أيْ إلى تَحْلِيلِ الرِّبا بَعْدَ انْتِهائِهِ عَنْهُ نُكُوبًا عَنْ حِكْمَةِ رَبِّهِ ﴿فَأُولَئِكَ﴾ أيِ البُعَداءُ مِنَ اللَّهِ ﴿أصْحابُ النّارِ﴾ ولَمّا كانَتْ نَتِيجَةُ الصُّحْبَةِ المُلازَمَةَ قالَ: ﴿هم فِيها خالِدُونَ﴾
{"ayah":"ٱلَّذِینَ یَأۡكُلُونَ ٱلرِّبَوٰا۟ لَا یَقُومُونَ إِلَّا كَمَا یَقُومُ ٱلَّذِی یَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ مِنَ ٱلۡمَسِّۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُوۤا۟ إِنَّمَا ٱلۡبَیۡعُ مِثۡلُ ٱلرِّبَوٰا۟ۗ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَیۡعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰا۟ۚ فَمَن جَاۤءَهُۥ مَوۡعِظَةࣱ مِّن رَّبِّهِۦ فَٱنتَهَىٰ فَلَهُۥ مَا سَلَفَ وَأَمۡرُهُۥۤ إِلَى ٱللَّهِۖ وَمَنۡ عَادَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











