الباحث القرآني

ولِما قَرَّرَ ذَلِكَ وأرْشَدَ السِّياقُ إلى شَيْءٍ اقْتَضَتِ البَلاغَةُ طَيَّهُ إرْشادًا إلى البُعْدِ مِنهُ والهَرَبِ عَنْهُ لِبَشاعَتِهِ وسُوءِ مَغَبَّتِهِ وهو ومَن يُؤْمِن بِالطّاغُوتِ ويَكْفُرْ بِاللَّهِ فَلا يُتَمَسَّكُ لَهُ واللَّهُ يُهْوِيهِ إلى الجَحِيمِ، كَأنَّهُ قِيلَ: فَمَن يُخَلِّصُ النَّفْسَ مِن ظُلُماتِ الهَوى والشَّهْوَةِ ووَساوِسِ الشَّيْطانِ؟ فَقالَ مُسْتَأْنِفًا: ﴿اللَّهُ﴾ أيْ بِما لَهُ مِنَ العَظَمَةِ والأسْماءِ الحُسْنى (p-٤٥)﴿ولِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ يَتَوَلّى مَصالِحَهُمْ، ولِذَلِكَ بَيَّنَ وِلايَتَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يُخْرِجُهم مِنَ الظُّلُماتِ﴾ [أيِ المَعْنَوِيَّةِ] جَمْعِ ظُلْمَةٍ وهو ما يَطْمِسُ البادِياتِ حِسًّا أوْ مَعْنىً، وجَمَعَها لِأنَّ طُرُقَ الضَّلالِ كَثِيرَةٌ فَإنَّ الكُفْرَ أنْواعٌ ﴿إلى النُّورِ﴾ أيِ المَعْنَوِيِّ وهو ما يُظْهِرُ البادِياتِ حِسًّا أوْ مَعْنىً - قالَهُ الحَرالِّيُّ، ووَحَّدَهُ لِأنَّ الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ واحِدٌ ﴿ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكم عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١٥٣] ومِنَ المَحامِلِ الحَسَنَةِ أنْ يُشارَ بِالجَمْعِ إلى ما يَنْشَأُ مِنَ الجَهْلِ عَنِ المَشاعِرِ الَّتِي أخْبَرَ بِالخَتْمِ عَلَيْها، فَصارَ البَصَرُ عُرْيًا عَنِ الاعْتِبارِ، والسَّمْعُ خالِيًا عَنِ الفَهْمِ والِاسْتِبْصارِ، والقَلْبُ مُعْرِضًا عَنِ التَّدَبُّرِ والِافْتِكارِ، وبِالوَحْدَةِ في النُّورِ إلى صَلاحِ القَلْبِ فَإنَّهُ كَفِيلٌ بِجَلْبِ كُلِّ سارٍّ ودَفْعِ كُلِّ ضارٍّ، والنُّورُ الَّذِي هو العَقْلُ والفِطْرَةُ الأُولى ذُو جِهَةٍ واحِدَةٍ وهي القَوْمُ، والظُّلْمَةُ النّاشِئَةُ عَنِ النَّفْسِ ذاتُ جِهاتٍ هي في غايَةِ الِاخْتِلافِ. (p-٤٦)ولَمّا ذَكَرَ عِبادَهُ الخُلَّصَ ذَكَرَ عُبّادَ الشَّهَواتِ فَقالَ: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ سَتَرُوا ما دَلَّتْ عَلَيْهِ أدِلَّةُ العُقُولِ أوَّلًا والنُّقُولِ ثانِيًا بِشَهَواتِ النُّفُوسِ ﴿أوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ﴾ مِن شَهَواتِهِمْ وما أدَّتْ إلَيْهِ مِنَ اتِّباعِ كُلِّ ما أطْغى مِنَ الشَّياطِينِ والعُكُوفِ عَلى الأصْنامِ وغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ بَيَّنَ اسْتِيلاءَهم عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿يُخْرِجُونَهُمْ﴾ وإسْنادُهُ إلى ضَمِيرِ الجَمْعِ يُؤَيِّدُ أنَّ جَمْعَ الظُّلُماتِ لِكَثْرَةِ أنْواعِ الكُفْرِ ﴿مِنَ النُّورِ﴾ أيِ الفِطْرِيِّ ﴿إلى الظُّلُماتِ﴾ قالَ الحَرالِّيُّ: وفِيهِ بَيانُ اسْتِواءِ جَمِيعِ الخَلْقِ في حَقِيقَةِ النُّورِ الأوَّلِ إلى الرُّوحِ المُجَنَّدَةِ إلى الفِطْرَةِ المُسْتَوِيَةِ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلى الفِطْرَةِ» انْتَهى. (p-٤٧)ولَمّا ذَكَرَ اسْتِيلاءَ الشَّهَواتِ عَلَيْهِمُ الدّاعِي إلَيْها الطَّيْشُ والخِفَّةُ النّاشِئَ عَنْ عُنْصُرِ النّارِ الَّتِي هي شُعْبَةٌ مِنَ الشَّيْطانِ بَيَّنَ أنَّ جَزاءَهم مِن جِنْسِ مُرْتَكَبِهِمْ فَقالَ: ﴿أُولَئِكَ﴾ أيِ الحالُّونَ في مَحَلِّ البُعْدِ والبُغْضِ ﴿أصْحابُ النّارِ﴾ قالَ الحَرالِّيُّ: الَّذِينَ اتَّبَعُوها مِن حَيْثُ لَمْ يَشْعُرُوا مِن حَيْثُ إنَّ الصّاحِبَ مَنِ اتَّبَعَ مَصْحُوبَهُ. انْتَهى. ولَمّا عُلِمَ مِن ذِكْرِ الصُّحْبَةِ دَوامُهم فِيها صَرَّحَ بِهِ تَأْكِيدًا بِقَوْلِهِ مُبَيِّنًا اخْتِصاصَهم بِها: ﴿هُمْ﴾ أيْ خاصَّةً ﴿فِيها خالِدُونَ﴾ إلى ما لا آخِرَ لَهُ. قالَ الحَرالِّيُّ: وجَعَلَ الخُلُودَ وصْفًا لَهم إشْعارًا بِأنَّهم فِيها وهم في دُنْياهُمُ. انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب