الباحث القرآني
ولَمّا كانَ الِاخْتِلافُ عَلى الأنْبِياءِ سَبَبًا لِلْجِهادِ الَّذِي هو حَظِيرَةُ الدِّينِ وكانَ عِمادُ [الجِهادِ] النَّفَقَةَ أتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ رُجُوعًا إلى أوَّلِ السُّورَةِ مِن هُنا إلى آخِرِها وإلى التَّأْكِيدِ بِلَفْظِ الأمْرِ لِما تَقَدَّمَ الحَثُّ عَلَيْهِ مِن أمْرِ النَّفَقَةِ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ أقَرُّوا بِألْسِنَتِهِمْ (p-٢٢)بِالإيمانِ ﴿أنْفِقُوا﴾ تَصْدِيقًا لِدَعْواكم في جَمِيعِ أبْوابِ الجِهادِ الأصْغَرِ والأكْبَرِ ولا تَبْخَلُوا فَأيُّ داءٍ أدْوَأُ مِنَ البُخْلِ، ومَن يُوقَ شَحَّ نَفْسه فَأُولَئِكَ هم المُفْلِحُونَ.
ولَمّا أمَرَ بِذَلِكَ هَوَّنَهُ عَلَيْهِمْ بِالإعْلامِ بِأنَّهُ لَهُ لا لَهم فَقالَ: ﴿مِمّا﴾ أيِ الشَّيْءِ الَّذِي ورَدَّ القَوْلَ إلى مَظْهَرِ العَظَمَةِ حَثًّا عَلى المُبادَرَةِ إلى امْتِثالِ الأمْرِ وتَقْبِيحًا بِحالِ مَن أبْطَأ عَنْهُ فَقالَ: ﴿رَزَقْناكُمْ﴾ (p-٢٣)بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ، وجَزَمَ هُنا بِالأمْرِ لِأنَّهُ لَمّا رَغَّبَ في النَّفَقَةِ مِن أوَّلِ السُّورَةِ إلى هُنا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرى في أسالِيبَ مُتَعَدِّدَةٍ صارَتْ دَواعِي العُقَلاءِ في دَرَجَةِ القَبُولِ لِما تُنْدَبُ إلَيْهِ مِن أمْرِها وإنْ كانَ الخُرُوجُ عَمّا في اليَدِ في غايَةِ الكَراهَةِ إلى النَّفْسِ، وصَرَفَ الأمْرَ بِالتَّبْعِيضِ إلى الحَلالِ الطَّيِّبِ، فَمَنَعَ احْتِجاجَ المُعْتَزِلَةِ بِها في أنَّ الرِّزْقَ لا يَكُونُ إلّا حَلالًا لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ، وأتْبَعَهُ بِما يُرَغِّبُ ويُرَهِّبُ مِن حالِ يَوْمِ التَّنادِ الَّذِي تَنْقَطِعُ فِيهِ الأسْبابُ الَّتِي أقامَها سُبْحانَهُ وتَعالى في هَذِهِ الدّارِ فَقالَ: ﴿مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ﴾ مَوْصُوفٌ بِأنَّهُ ﴿لا بَيْعٌ فِيهِ﴾ مَوْجُودٌ ﴿ولا خُلَّةٌ﴾ قالَ الحَرالِّيُّ: هي مِمّا مِنهُ المُخالَلَةُ وهي المُداخَلَةُ فِيما يَقْبَلُ التَّداخُلَ حَتّى يَكُونَ كُلُّ واحِدٍ خِلالَ الآخَرِ، ومَوْقِعُ مَعْناها المُوافَقَةُ في وصْفِ الرِّضى والسُّخْطِ، فالخَلِيلُ مِن رِضاهُ رِضى خَلِيلِهِ وفِعالُهُ مِن فِعالِهِ. انْتَهى.
﴿ولا شَفاعَةٌ﴾ والمَعْنى أنَّهُ لا يُفْدى فِيهِ أسِيرٌ بِمالٍ، ولا يُراعى لِصَداقَةٍ مِن مُساوٍ ولا شَفاعَةٍ مِن كَبِيرٍ، لِعَدَمِ إرادَةِ اللَّهِ (p-٢٤)سُبْحانَهُ وتَعالى لِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ ولا يَكُونُ إلّا ما يُرِيدُ، وفي الآيَةِ التِفاتٌ شَدِيدٌ إلى أوَّلِ السُّورَةِ حَيْثُ وصَفَ المُؤْمِنِينَ بِالإنْفاقِ مِمّا رَزَقَهم والإيقانِ بِالآخِرَةِ، وبَيانٌ لِأنَّ المُرادَ بِالإنْفاقِ أعَمُّ مِنَ الزَّكاةِ وأنَّ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ جَمِيعَ وُجُوهِ الإنْفاقِ مِن جَمِيعِ المَعادِنِ والحُظُوظِ الَّتِي تُكْسِبُ المَعالِي وتُنْجِي مِنَ المَهالِكِ، وسَيَأْتِي في الآياتِ الحاثَّةِ عَلى النَّفَقَةِ ما يُرْشِدُ إلى ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿إنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ﴾ [البقرة: ٢٧١] وغَيْرِها وقالَ الحَرالِّيُّ: فانْتَظَمَ هَذا الِانْتِهاءَ في الخِطابِ بِما في ابْتِداءِ السُّورَةِ مِنَ ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ [البقرة: ٣] إلى قَوْلِهِ ﴿المُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ٥] فَلِذَلِكَ وقَعَ بَعْدَ هَذا الِانْتِهاءِ افْتِتاحُ آيَةٍ هي سَيِّدَةُ آيِ هَذِهِ السُّورَةِ المُنْتَظَمَةِ بِأوَّلِها انْتِظامًا مَعْنَوِيًّا بِرَأْسِ ﴿الم﴾ [البقرة: ١] ﴿ذَلِكَ الكِتابُ﴾ [البقرة: ٢] فَكانَ في إشارَةِ هَذا الِانْتِظامِ تَوْطِئَةٌ لِما أفْصَحَ بِهِ الخِطابُ في فاتِحَةِ سُورَةِ آلِ عِمْرانَ، لِما ذُكِرَ مِن أنَّ القُرْآنَ مَثانِي إفْهامٍ وحَمْدٍ. فَكانَ أوَّلُهُ حَمْدًا وآخِرُهُ حَمْدًا يَنْثَنِي ما بَيْنَ الحَمْدَيْنِ عَلى أوَّلِهِ، كَما قالَ ”حَمِدَنِي عَبْدِي، أثْنى عَلَيَّ عَبْدِي“ فَجُمْلَتُهُ حَمْدٌ وتَفاصِيلُهُ ثَناءٌ. انْتَهى.
ولَمّا حَثَّ سُبْحانَهُ وتَعالى عَلى الإنْفاقِ خَتَمَ الآيَةَ بِذَمِّ الكافِرِينَ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَتَحَلَّوْا بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِتَخَلِّيهِمْ مِنَ الإيمانِ وبُعْدِهِمْ عَنْهُ وتَكْذِيبِهِمْ (p-٢٥)بِذَلِكَ اليَوْمِ فَهم لا يُنْفِقُونَ لِخَوْفِهِ ولا رَجائِهِ فَقالَ بَدَلَ، ولا نُصْرَةَ لِكافِرٍ: ﴿والكافِرُونَ﴾ أيِ المَعْلُومُ كُفْرُهم في ذَلِكَ اليَوْمِ، وهَذا العَطْفُ يُرْشِدُ إلى أنَّ التَّقْدِيرَ: فالَّذِينَ آمَنُوا يَفْعَلُونَ ما أمَرْناهم بِهِ لِأنَّهُمُ المُحِقُّونَ، والكافِرُونَ ﴿هُمُ﴾ المُخْتَصُّونَ بِأنَّهُمُ ﴿الظّالِمُونَ﴾ أيِ الكامِلُونَ في الظُّلْمِ لا غَيْرُهُمْ، ومِنَ المَعْلُومِ أنَّ الظّالِمَ خاسِرٌ وأنَّهُ مَخْذُولٌ غَيْرُ مَنصُورٍ، لِأنَّهُ يَضَعُ الأُمُورَ في غَيْرِ مَواضِعِها، ومَن كانَ كَذَلِكَ لا يَثْبُتُ لَهُ أمْرٌ ولا يَرْتَفِعُ لَهُ شَأْنٌ بَلْ هو دائِمًا عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ، ولِأجْلِ ذَلِكَ يَخْتِمُ سُبْحانَهُ وتَعالى كَثِيرًا مِن آياتِهِ بِقَوْلِهِ ”وما لِلظّالِمِينَ مِن أنْصار“ فَقَدِ انْتَفى بِذَلِكَ جَمِيعُ أنْواعِ الخَلاصِ المَعْهُودَةِ في الدُّنْيا في ذَلِكَ اليَوْمِ مِنَ الافْتِداءِ بِالمالِ والمُراعاةِ لِصَداقَةٍ أوْ عَظَمَةِ ذِي شَفاعَةٍ أوْ نُصْرَةٍ بِقُوَّةٍ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَنفِقُوا۟ مِمَّا رَزَقۡنَـٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن یَأۡتِیَ یَوۡمࣱ لَّا بَیۡعࣱ فِیهِ وَلَا خُلَّةࣱ وَلَا شَفَـٰعَةࣱۗ وَٱلۡكَـٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق